يعقوب لصاحب علم لأجل تعليم الله إياه بما أوحاه الله من أن الحذر لا يدفع القدر. وأن ما قضاه الله سبحانه فهو كائن لا محالة (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) بذلك كما ينبغي، وقيل لا يعلمون أن الحذر مندوب إليه وإن كان لا يغني من القدر شيئا، والسياق يدفعه، وقيل المراد بأكثر الناس المشركون (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه) أي ضم إليه أخاه بنيامين، قيل إنه أمر بإنزال كل اثنين في منزل فبقى أخوه منفردا فضمه إليه و (قال إني أنا أخوك) يوسف، قال له ذلك سرا، من دون أن يطلع عليه إخوته (فلا تبتئس) أي فلا تحزن (بما كانوا يعملون) أي إخوتك من الأعمال الماضية التي عملوها، وقيل إنه لم يخبره بأنه يوسف، بل قال له: إني أخوك مكان أخيك يوسف فلا تحزن بما كنت تلقاه منهم من الجفاء حسدا وبغيا، وقيل إنه أخبره بما سيدبره هو معهم من جعل السقاية في رحله، فقال لا أبالي، وقيل إنه لما أخبر يوسف أخاه بنيامين بأنه أخوه قال: لا تردني إليهم، فقال قد علمت اغتمام أبينا يعقوب فإذا حبستك عندي ازداد غمه، فأتى بنيامين فقال له يوسف: لا يمكن حبسك عندي إلا بأن أنسبك إلى مالا يجمل بك، فقال لا أبالي. فدس الصاع في رحله، وهو المراد بالسقاية وأصلها المشربة التي يشرب بها جعلت صاعا يكال به، وقيل كانت تسقى بها الدواب ويكال بها الحب، وقيل كانت من فضة وقيل كانت من ذهب. وقيل غير ذلك. وقد تقدم تفسير الجهاز والرحل. والمعنى: أنه جعل السقاية التي هو الصواع في رحل أخيه الذي هو الوعاء الذي يجعل فيه ما يشتريه من الطعام من مصر (ثم) بعد ذلك (أذن مؤذن) أي نادى مناد قائلا (أيتها العير) قال الزجاج: معناه يا أصحاب العير. وكل ما امتير عليه من الإبل والحمير والبغال فهو عير، وقيل هي قافلة الحمير. وقال أبو عبيدة: العير الإبل المرحولة المركوبة (إنكم لسارقون) نسبة السرق إليهم على حقيقتها، لأن المنادي غير عالم بما دبره يوسف. وقيل إن المعنى: إن حالكم حال السارقين كون الصواع صار لديكم من غير رضا من الملك (قالوا) أي إخوة يوسف (وأقبلوا عليهم) أي حال كونهم مقبلين على من نادى منهم المنادي من أصحاب الملك (ماذا تفقدون) أي ما الذي فقدتموه. يقال فقدت الشئ إذا عدمته بضياع أو نحوه، فكأنهم قالوا ماذا ضاع عليكم؟ وصيغة المستقبل لاستحضار الصورة (قالوا) في جوابهم (نفقد صواع الملك) قرأ يحيى بن يعمر " صواغ " بالغين المعجمة. وقرأ أبو رجاء " صوع " بضم الصاد المهملة وسكون الواو بعدها عين مهملة. وقرأ أبي " صياع ". وقرأ أبو جعفر صاع. وبها قرأ أبو هريرة. وقرأ الجمهور " صواع " بالصاد والعين المهملتين. قال الزجاج: الصواع هو الصاع بعينه. وهو يذكر ويؤنث، وهو السقاية، ومنه قول الشاعر: نشرب الخمر بالصواع جهارا (ولمن جاء به حمل بعير) أي قالوا: ولمن جاء بالصواع من جهة نفسه حمل بعير. والبعير الجمل، وفي لغة بعض العرب أنه الحمار، والمراد بالحمل ها هنا ما يحمله البعير من الطعام، ثم قال المنادي (وأنا به زعيم) أي بحمل البعير الذي جعل لمن جاء بالصواع قبل التفتيش للأوعية، والزعيم هو الكفيل، ولعل القائل نفقد صواع الملك هو المنادى، وإنما نسب القول إلى الجماعة لكونه واحدا منهم، ثم رجع الكلام إلى نسبة القول إلى المنادى وحده لأنه القائل بالحقيقة (قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) التاء بدل من واو القسم عند الجمهور، وقيل من الباء، وقيل أصل بنفسها، ولا تدخل إلا على هذا الاسم الشريف دون سائر أسمائه سبحانه، وقد دخلت نادرا على الرب، وعلى الرحمن، والكلام على هذا مستوفى في علم الإعراب، وجعلوا المقسم عليه هو علم يوسف وأصحابه بنزاهة جانبهم وطهارة ذيلهم عن التلوث بقذر الفساد في الأرض الذي من أعظم أنواعه السرقة، لأنهم قد شاهدوا منهم في قدومهم عليه المرة الأولى، وهذه المرة من التعفف والزهد عما هو دون السرقة بمراحل ما يستفاد منه العلم الجازم بأنهم ليسوا بمن يتجارأ على هذا
(٤٢)