وسيبويه: في توجيه قراءة النصب بأن المعنى: ولأن الله ربى وربكم، وأجاز الفراء أن يكون في موضع خفض عطفا على الصلاة، وجوز أبو عمرو بن العلاء عطفه على أمرا (هذا صراط مستقيم) أي هذا الذي ذكرته لكم من أنه ربى وربكم، هو الطريق القيم الذي لا اعوجاج فيه ولا يضل سالكه (فاختلف الأحزاب من بينهم) من زائدة للتوكيد، والأحزاب اليهود والنصارى: أي فاختلفت الفرق من أهل الكتاب في أمر عيسى، فاليهود قالوا إنه ساحر كما تقدم، وقالوا إنه ابن يوسف النجار، والنصارى اختلفت فرقهم فيه، فقالت النسطورية منهم: هو ابن الله، وقالت الملكية: هو ثالث ثلاثة، وقالت اليعقوبية: هو الله تعال فأفرطت النصارى وغلت، وفرطت اليهود وقصرت (فويل للذين كفروا) وهم المختلفون في أمره (من مشهد يوم عظيم) أي من شهود يوم القيامة وما يجري فيه من الحساب والعقاب، أو من مكان الشهود فيه، أو من شهادة ذلك اليوم عليهم، وقيل المعنى: فويل لهم من حضورهم المشهد العظيم الذي اجتمعوا فيه للتشاور (أسمع بهم وأبصر) قال أبو العباس: العرب تقول هذا في موضع التعجب، فيقولون: أسمع تريد وأبصر به: أي ما أسمعه وأبصره، فعجب الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم منهم (يوم يأتوننا) أي للحساب والجزاء (لكن الظالمون اليوم) أي في الدنيا (في ضلال مبين) أي واضح ظاهر ولكنهم أغفلوا التفكر والاعتبار والنظر في الآثار (وأنذرهم يوم الحسرة) أي يوم يتحسرون جميعا، فالمسئ حتى يتحسر على إساءته، والمحسن على عدم استكثاره من الخير (إذ قضى الأمر) أي فرغ من الحساب وطويت الصحف، وصار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، وجملة (وهم في غفلة) أي محل نصب على الحال: أي غافلين عما يعمل بهم، وكذلك جملة (وهم لا يؤمنون) في محل نصب على الحال (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها) أي نميت سكانها فلا يبقى بها أحد يرث الأموات، فكأنه سبحانه ورث الأرض ومن عليها حيث أماتهم جميعا (وإلينا يرجعون) أي يردون إلينا يوم القيامة فنجازي كلا بعمله، وقد تقدم مثل هذا في سورة الحجر.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (قول الحق) قال: الله الحق عز وجل. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عنه في قوله (الذي فيه يمترون) قال: اجتمع بنو إسرائيل وأخرجوا منهم أربعة نفر من كل قوم عالمهم، فامتروا في عيسى حين رفع، فقال أحدهم: هو الله هبط إلى الأرض وأحيا من أحيا، وأمات من أمات، ثم صعد إلى السماء، وهم اليعقوبية، فقالت الثلاثة: كذبت، ثم قال اثنان منهم للثالث: قل فيه، فقال: هو ابن الله، وهم النسطورية، فقال اثنان كذبت، ثم قال أحد الاثنين للآخر: قل فيه، فقال: هو ثالث ثلاثة، الله إله، وعيسى إله، وأمه إله، وهم الإسرائيلية، وهم ملوك النصارى، فقال الرابع: كذبت، هو عبد الله ورسوله وروحه من كلمته، وهم المسلمون، فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قال فاقتتلوا، فظهروا على المسلمين، فذلك قول الله سبحانه - ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس - قال قتادة: وهم الذين قال الله - فاختلف الأحزاب من بينهم - قال: اختلفوا فيه فصاروا أحزابا، فاختصم القوم، فقال المرء المسلم:
أنشدكم بالله هل تعلمون أن عيسى كان يطعم الطعام وأن الله لا يطعم؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فهل تعلمون أن عيسى كان ينام وأن الله لا ينام؟ قالوا: اللهم نعم، فخصمهم المسلمون فاقتتل القوم، فذكر لنا أن اليعقوبية ظهرت يومئذ وأصيب المسلمون، فأنزل الله (فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم). وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (أسمع بهم وأبصر) يقول الكفار يومئذ: أسمع شئ وأبصره، وهم اليوم لا يسمعون ولا يبصرون. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (يوم يأتوننا) قال: ذلك يوم القيامة. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم