أي حال كون كلبهم جاعلهم أربعة بانضمامه إليهم (ويقولون خمسة سادسهم كلبهم) الكلام فيه كالكلام فيما قبله، وانتصاب (رجما بالغيب) على الحال: أي راجمين أو على المصدر أي يرجمون رجما، والرجم بالغيب هو القول بالظن والحدس من غير يقين، والموصوفون بالرجم بالغيب هم كلا الفريقين القائلين بأنهم ثلاثة، والقائلين بأنهم خمسة (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) كأن قول هذه الفرقة أقرب إلى الصواب بدلالة عدم إدخالهم في سلك الراجمين بالغيب. قيل وإظهار الواو في هذه الجملة يدل على أنها مرادة في الجملتين الأوليين. قال أبو علي الفارسي قوله: رابعهم كلبهم، وسادسهم كلبهم جملتان استغنى عن حرف العطف فيهما بما تضمنتا من ذكر الجملة الأولى وهى قوله ثلاثة، والتقدير: هم ثلاثة، هكذا حكاه الواحدي عن أبي علي، ثم قال: وهذا معنى قول الزجاج في دخول الواو في وثامنهم وإخراجها من الأول، وقيل هي مزيدة للتوكيد، وقيل إنها واو الثمانية، وإن ذكره متداول على ألسن العرب إذا وصلوا إلى الثمانية كما في قوله تعالى - وفتحت أبوابها - وقوله - ثيبات وأبكارا - ثم أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يخبر المختلفين في عددهم بما يقطع التنازع بينهم فقال (قل ربى أعلم بعدتهم) منكم أيها المختلفون ثم أثبت علم ذلك لقليل من الناس فقال (ما يعلمهم) أي يعلم ذواتهم فضلا عن عددهم، أو ما يعلم عددهم على حذف المضاف (إلا قليل) من الناس، ثم نهى الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم عن الجدال مع أهل الكتاب في شأن أصحاب الكهف فقال (فلا تمار فيهم) المراء في اللغة الجدال: يقال ماري يمارى مماراة ومراء: أي جادل، ثم استثنى سبحانه من المراء ما كان ظاهرا واضحا فقال (إلا مراء ظاهرا) أي غير متعمق فيه وهو أن يقص عليهم ما أوحى الله إليه فحسب. وقال الرازي: هو أن لا يكذبهم في تعيين ذلك العدد، بل يقول هذا التعيين لا دليل عليه، فوجب التوقف، ثم نهاه سبحانه عن الاستفتاء في شأنهم فقال (ولا تستفت فيهم منهم أحدا) أي لا تستفت في شأنهم من الخائضين فيهم أحدا منهم، لأن المفتى يجب أن يكون أعلم من المستفتى، وهاهنا الأمر بالعكس، ولا سيما في واقعة أهل الكهف، وفيما قص الله عليك في ذلك ما يغنيك عن سؤال من لا علم له (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا) أي لأجل شئ تعزم عليه فيما يستقبل من الزمان، فعبر عنه بالغد، ولم يرد الغد بعينه، فيدخل فيه الغد دخولا أوليا. قال الواحدي: قال المفسرون لما سألت اليهود النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن خبر الفتية فقال: أخبركم غدا، ولم يقل إن شاء الله، فاحتبس الوحي عنه حتى شق عليه، فأنزل الله هذه الآية يأمره بالاستثناء بمشيئة الله يقول: إذا قلت لشئ إني فاعل ذلك غدا، فقل إن شاء الله. وقال الأخفش والمبرد والكسائي والفراء: لا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن تقول إن شاء الله، فأضمر القول ولما حذف تقول نقل شاء إلى لفظ الاستقبال، قيل وهذا الاستثناء مفرغ: أي لا تقولن ذلك في حال من الأحوال، إلا حال ملابسته لمشيئة الله وهو أن تقول إن شاء الله، أو في وقت من الأوقات إلا وقت أن يشاء الله أن تقوله مطلقا، وقيل الاستثناء جار مجرى التأبيد كأنه قيل: لا تقولنه أبدا كقوله - وما كان لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله - لأن عودهم في ملتهم مما لا يشاؤه الله (واذكر ربك إذا نسيت) الاستثناء بمشيئة الله: أي فقل إن شاء الله، سواء كانت المدة قليلة أو كثيرة.
وقد اختلف أهل العلم في المدة التي يجوز إلحاق الاستثناء فيما بعد المستثنى منه على أقوال معروفة في مواضعها وقيل المعنى (واذكر ربك) بالاستغفار (إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربى لأقرب من هذا رشدا) المشار إليه بقوله من هذا هو نبأ أصحاب الكهف: أي قل يا محمد عسى أن يوفقني ربي لشئ أقرب من هذا النبأ من الآيات والدلائل الدالة على نبوتي. قال الزجاج: عسى أن يعطيني ربي من الآيات والدلالات على النبوة ما يكون أقرب في