فيزعم أنه غير قادر على البعث بغير علم يعلمه، ولا حجة يدلى بها (ويتبع) فيما يقوله ويتعاطاه ويحتج به ويجادل عنه (كل شيطان مريد) أي متمرد على الله وهو العاتي، سمي بذلك لخلوه عن كل خير، والمراد إبليس وجنوده أو رؤساء الكفار الذين يدعون أشياعهم إلى الكفر. وقال الواحدي: قال المفسرون: نزلت في النضر بن الحارث وكان كثير الجدال، وكان ينكر أن الله يقدر على إحياء الأموات، وقيل نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة (كتب عليه أنه من تولاه) أي كتب على الشيطان، وفاعل كتب أنه من تولاه، والضمير للشأن: أي من اتخذ وليا (فإنه يضله) أي فشأن الشيطان أن يضله عن طريق الحق، فقوله أنه يضله جواب الشرط إن جعلت من شرطية أو خبر الموصول إن جعلت موصولة، فقد وصف الشيطان بوصفين: الأول أنه مريد، والثاني ما أفاده جملة كتب عليه الخ، وجملة (ويهديه إلى عذاب السعير) معطوفة على جملة يضله: أي يحمله على مباشرة ما يصير به في عذاب السعير. ثم ذكر سبحانه ما هو المقصود من الاحتجاج على الكفار بعد فراغه من تلك المقدمة، فقال (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث) قرأ الحسن " البعث " بفتح العين وهى لغة، وقرأ الجمهور بالسكون، وشكهم يحتمل أن يكون في وقوعه أو في إمكانه.. والمعنى: إن كنتم في شك من الإعادة فانظروا في مبدأ خلقكم أي خلق أبيكم آدم ليزول عنكم الريب ويرتفع الشك وتدحض الشبهة الباطلة (فإنا خلقناكم من تراب) في ضمن خلق أبيكم آدم (ثم) خلقناكم (من نطفة) أي من مني، سمى نطفة لقلته، والنطفة: القليل من الماء. وقد يقع على الكثير منه، والنطفة: القطرة، يقال نطف ينطف: أي قطر. وليلة نطوف: أي دائمة القطر (ثم من علقة) والعلقة: الدم الجامد، والعلق: الدم العبيط: أي الطري أو المتجمد، وقيل الشديد الحمرة والمراد الدم الجامد المتكون من المني (ثم من مضغة) وهى القطعة من اللحم قدر ما يمضغ الماضغ تتكون من العلقة (مخلقة) بالجر صفة لمضغة: أي مستبينة الخلق ظاهرة التصوير (وغير مخلقة) أي لم يستبن خلقها ولا ظهر تصويرها قال ابن الأعرابي: مخلقة يريد قد بدا خلقه، وغير مخلقة لم تصور. قال الأكثر: ما أكمل خلقه بنفخ الروح فيه فهو المخلقة وهو الذي ولد لتمام، وما سقط كان غير مخلقة أي غير حي بإكمال خلقته بالروح. قال الفراء: مخلقة تام الخلق، وغير مخلقة: السقط، ومنه قول الشاعر:
أفي غير المخلقة البكاء * فأين الحزم ويحك والحياء واللام في (لنبين لكم) متعلق بخلقنا: أي خلقناكم على هذا النمط البديع لنبين لكم كمال قدرتنا بتصريفنا أطوار خلقكم (ونقر في الأرحام ما نشاء) روى أبو حاتم عن أبي زيد عن المفضل عن عاصم أنه قرأ بنصب نقر عطفا على نبين، وقرأ الجمهور " تقر " بالرفع على الاستئناف: أي ونحن نقر، قال الزجاج: نقر بالرفع لا غير، لأنه ليس المعنى فعلنا ذلك لنقر في الأرحام ما نشاء، ومعنى الآية: ونثبت في الأرحام ما نشاء فلا يكون سقطا (إلى أجل مسمى) وهو وقت الولادة، وقال ما نشاء ولم يقل من نشاء، لأنه يرجع إلى الحمل وهو جماد قبل أن ينفخ فيه الروح، وقرئ " ليبين - ويقر - و - يخرجكم " بالتحتية في الأفعال الثلاثة، وقرأ ابن أبي وثاب " ما نشاء " بكسر النون (ثم نخرجكم طفلا) أي نخرجكم من بطون أمهاتكم طفلا: أي أطفالا، وإنما أفرده إرادة للجنس الشامل للواحد والمتعدد. قال الزجاج طفلا في معنى أطفالا، ودل عليه ذكر الجماعة: يعني في نخرجكم: والعرب كثيرا ما تطلق اسم الواحد على الجماعة، ومنه قول الشاعر:
يليحنني بكر من حبها ويلمنني * إن العواذل لسن لي بأمير