سورة يوسف الآية (64 - 66) قوله (وجاء إخوة يوسف) أي جاءوا إلى مصر من أرض كنعان ليمتاروا لما أصابهم القحط (فدخلوا) على يوسف (فعرفهم) لأنه فارقهم رجالا (وهم له منكرون) لأنهم فارقوه صبيا يباع بالدراهم في أيدي السيارة بعد أن أخرجوه من الجب، ودخلوا عليه الآن وهو رجل عليه أبهة الملك، ورونق الرئاسة، وعنده الخدم والحشم وقيل إنهم أنكروه لكونه كان في تلك الحال على هيئة ملك مصر، ولبس تاجه وتطوق بطوقه - وقيل كانوا بعيدا منه فلم يعرفوه، وقيل غير ذلك (ولما جهزهم بجهازهم) المراد به هنا أنه أعطاهم ما طلبوه من الميرة وما يصلحون به سفرهم من العدة التي يحتاجها المسافر. يقال جهزت القوم تجهيزا: إذا تكلفت لهم جهازا للسفر. قال الأزهري القراء كلهم على فتح الجيم، والكسر لغة جيدة (قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم) قيل لابد من كلام ينشأ عنه طلبه لهم بأن يأتوه بأخ لهم من أبيهم، فروى أنه لما رآهم وكلموه بالعبرانية قال لهم: ما أنتم وما شأنكم فإني أنكركم؟
فقالوا: نحن قوم من أهل الشام جئنا نمتار ولنا أب شيخ صديق نبي من الأنبياء اسمه يعقوب. قال: كم أنتم؟
قالوا عشرة وقد كنا اثنى عشر، فذهب أخ لنا إلى البرية فهلك، وكان أحبنا إلى أبينا، وقد سكن بعده إلى أخ له أصغر منه هو باق لديه يتسلى به، فقال لهم حينئذ (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) يعني أخاه بنيامين الذي تقدم ذكره، وهو أخو يوسف لأبيه وأمه، فوعدوه بذلك، فطلب منهم أن يتركوا أحدهم رهينة عنده حتى يأتوه بالأخ الذي طلبه، فاقترعوا فأصابت القرعة شمعون فخلفوه عنده، ثم قال لهم (ألا ترون أنى أوفي الكيل) أي أتممه، وجاء بصيغة الاستقبال مع كونه قال لهم هذه المقالة بعد تجهيزهم للدلالة على أن ذلك عادته المستمرة، ثم أخبرهم بما يزيدهم وثوقا به وتصديقا لقوله، فقال (وأنا خير المنزلين) أي والحال أني خير المنزلين لمن نزل بي كما فعلته بكم من حسن الضيافة وحسن الإنزال. قال الزجاج: قال يوسف (وأنا خير المنزلين) لأنه حين أنزلهم أحسن ضيافتهم، ثم توعدهم إذا لم يأتوه به فقال (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون) أي فلا أبيعكم شيئا فيما بعد، وأما في الحال فقد أوفاهم كيلهم، ومعنى لا تقربون: لا تدخلون بلادي فضلا عن أن أحسن إليكم وقيل معناه: لا أنزلكم عندي كما أنزلتكم هذه المرة، ولم يرد أنهم لا يقربون بلاده، وتقربون مجزوم إما على أن لا ناهية أو على أنها نافية، وهو معطوف على محل الجزاء داخل في حكمه كأنه قال: فإن لم تأتوني تحرموا ولا تقربوا فلما سمعوا منه ذلك وعدوه بما طلبه منهم ف (قالوا سنراود عنه أباه) أي سنطلبه منه، ونجتهد في ذلك بما نقدر عليه وقيل معنى المراودة هنا: المخادعة منهم لأبيهم والاحتيال عليه حتى ينتزعوه منه (وإنا لفاعلون هذه المراودة غير مقصرين فيها. وقيل معناه: وإنا لقادرون على ذلك. لا نتعانى به ولا نتعاظمه (وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم