بها، ومثل الكافر وكفره كمثل الزبد الذي يذهب جفاء. وكمثل خبث الحديد وما تخرجه النار من وسخ الفضة والذهب الذي لا ينتفع به. وقد حكينا عن ابن الأنباري فيما تقدم أنه شبه نزول القرآن إلى آخر ما ذكرناه فجعل ذلك مثلا ضربه الله للقرآن (كذلك يضرب الله الأمثال) أي مثل ذلك الضرب العجيب يضرب الله الأمثال في كل باب لكمال العناية بعباده واللطف بهم، وهذا تأكيد لقوله: كذلك يضرب الله الحق والباطل، ثم بين سبحانه من ضرب له مثل الحق ومثل الباطل من عباده، فقال فيمن ضرب له مثل الحق (للذين استجابوا لربهم) أي أجابوا دعوته إذ دعاهم إلى توحيده وتصديق أنبيائه والعمل بشرائعه، والحسنى صفة موصوف محذوف. أي المثوبة الحسنى وهى الجنة، وقال سبحانه فيمن ضرب له مثل الباطل (والذين لم يستجيبوا) لدعوته إلى ما دعاهم إليه، والموصول مبتدأ وخبره الجملة الشرطية، وهى (لو أن لهم ما في الأرض جميعا) من أصناف الأموال التي يتملكها العباد ويجمعونها بحيث لا يخرج عن ملكهم منها شئ (ومثله معه) أي مثل ما في الأرض جميعا كائنا معه ومنضما إليه (لافتدوا به) أي بمجموع ما ذكر وهو ما في الأرض ومثله. والمعنى: ليخلصوا به مما هم فيه من العذاب الكبير والهول العظيم، ثم بين الله سبحانه ما أعده لهم فقال (أولئك) يعنى الذين لم يستجيبوا (لهم سوء الحساب) قال الزجاج: لأن كفرهم أحبط أعمالهم، وقال غيره: سوء الحساب المناقشة فيه، وقيل هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر منه شئ (ومأواهم جهنم) أي مرجعهم إليها (وبئس المهاد) أي المستقر الذي يستقرون فيه. والمخصوص بالذم محذوف.
وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله (هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا) قال: خوفا للمسافر يخاف أذاه ومشقته، وطمعا للمقيم يطمع في رزق الله ويرجو بركة المطر ومنفعته. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال: خوفا لأهل البحر وطمعا لأهل البر. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: الخوف ما يخاف من الصواعق والطمع: الغيث. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي في سننه من طرق عن علي بن أبي طالب قال: البرق مخاريق من نار بأيدي ملائكة السحاب يزجرون به السحاب. وروى عن جماعة من السلف ما يوافق هذا ويخالفه. ولعلنا قد قدمنا في سورة البقرة شيئا من ذلك. وأخرج أحمد عن شيخ من بني غفار قد صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: سمعت رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " إن الله ينشئ السحاب فتنطق أحسن النطق وتضحك أحسن الضحك " قيل والمراد بنطقها الرعد، وبضحكها البرق. وقد ثبت عند أحمد والترمذي والنسائي في اليوم والليلة والحاكم في مستدركه من حديث ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال " اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك ". وأخرج العقيلي وضعفه وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ينشئ الله السحاب ثم ينزل فيه الماء. فلا شئ أحسن من ضحكه، ولا شئ أحسن من نطقه، ومنطقه الرعد وضحكه البرق ". وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله " أن خزيمة بن ثابت، وليس بالأنصاري، سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن منشأ السحاب فقال: إن ملكا موكلا يلم القاصية ويلحم الدانية في يده مخراق، فإذا رفع برقت وإذا زجر رعدت، وإذا ضرب صعقت ". وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا أبا القاسم إنا نسألك عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك، فأخذ عليهم ما أخذ