وللصحابة والتابعين في تفسير المحال هنا أقوال ثمانية: الأول العداوة، الثاني الحول، الثالث الأخذ، الرابع الحقد، الخامس القوة، السادس الغضب، السابع الهلاك، الثامن الحيلة (له دعوة الحق) إضافة الدعوة إلى الحق للملابسة: أي الدعوة الملابسة للحق المختصة به التي لا مدخل للباطل فيها بوجه من الوجوه كما يقال كلمة الحق، والمعنى أنها دعوة مجابة واقعة في موقعها، لا كدعوة من دونه. وقيل الحق هو الله سبحانه، والمعنى: أن لله سبحانه دعوة المدعو الحق وهو الذي يسمع فيجيب. وقيل المراد بدعوة الحق ها هنا كلمة التوحيد والإخلاص، والمعنى: لله من خلقه أن يوحدوه ويخلصوا له. وقيل دعوة الحق دعاؤه سبحانه عند الخوف فإنه لا يدعى فيه سواه كما قال تعالى - ضل من تدعون إلا إياه -. وقيل الدعوة العبادة، فإن عبادة الله هي الحق والصدق (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ) أي والآلهة الذين يدعونهم يعني الكفار من دون الله عز وجل لا يستجيبون لهم بشئ مما يطلبونه منهم كائنا ما كان إلا استجابة كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه من بعيد فإنه لا يجيبه. لأنه جماد لا يشعر بحاجته إليه. ولا يدري أنه طلب منه أن يبلغ فاه. ولهذا قال (وما هو) أي الماء (ببالغه) أي يبالغ فيه. قال الزجاج: إلا كما يستجاب للذي يبسط كفيه إلى الماء يدعو الماء إلى فيه، والماء لا يستجيب، أعلم الله سبحانه أن دعاءهم الأصنام كدعاء العطشان إلى الماء يدعوه إلى بلوغ فمه، وما الماء ببالغه. وقيل المعنى: أنه كباسط كفيه إلى الماء ليقبض عليه فلا يحصل في كفه شئ منه. وقد ضربت العرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلا بالقبض على الماء كما قال الشاعر:
فأصبحت مما كان بيني وبينها * من الود مثل القابض الماء باليد وقال الآخر:
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض * على الماء خانته فروج الأصابع وقال الفراء: إن المراد بالماء هنا ماء البئر لأنها معدن للماء، وأنه شبهه بمن مد يده إلى البئر بغير رشاء، ضرب الله سبحانه هذا مثلا لمن يدعو غيره من الأصنام (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) أي يضل عنهم ذلك الدعاء فلا يجدون منه شيئا. ولا ينفعهم بوجه من الوجوه بل هو ضائع ذاهب (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها) إن كان المراد بالسجود معناه الحقيقي، وهو وضع الجبهة على الأرض للتعظيم مع الخضوع والتذلل. فذلك ظاهر في المؤمنين والملائكة ومسلمي الجن، وأما في الكفار فلا يصح تأويل السجود بهذا في حقهم. فلا بد أن يحمل السجود المذكور في الآية على معنى حق لله السجود ووجب حتى يناول السجود بالفعل وغيره. أو يفسر للسجود بالانقياد. لأن الكفار وإن لم يسجدوا لله سبحانه فهم منقادون لأمره، وحكمه فيهم بالصحة والمرض والحياة والموت والفقر والغنى، ويدل على إرادة هذا المعنى قوله (طوعا وكرها) فإن الكفار ينقادون كرها كما ينقاد المؤمنون طوعا، وهما منتصبان على المصدرية: أي انقياد طوع وانقياد كره، أو على الحال: أي طائعين وكارهين. وقال الفراء: الآية خاصة بالمؤمنين فإنهم يسجدون طوعا، وبعض الكفار يسجدون إكراها وخوفا كالمنافقين. فالآية محمولة على هؤلاء، وقيل الآية في المؤمنين، فمنهم من سجد طوعا لا يثقل عليه السجود، ومنهم من يثقل عليه لأن التزام التكليف مشقة ولكنهم يتحملون المشقة إيمانا بالله وإخلاصا له (وظلالهم بالغدو والآصال) وظلالهم جمع ظل. والمراد به ظل الإنسان الذي يتبعه، جعل ساجدا بسجوده حيث صار لازما له لا ينفك عنه. قال الزجاج وابن الأنباري: ولا يبعد أن يخلق الله للظلال أفهاما تسجد بها لله سبحانه كما جعل للجبال أفهاما حتى اشتغلت بتسبيحه. فظل المؤمن يسجد لله طوعا، وظل الكافر يسجد لله كرها وخص الغدو والآصال بالذاكر لأنه يزداد ظهور الظلال فيهما، وهما ظرف للسجود المقدر: أي ويسجد ظلالهم