في منه لأنه يعود إلى المذكور، أو إلى المضاف المحذوف: وهو العصير كأنه قيل ومن عصير ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه، والسكر ما يسكر من الخمر، والرزق الحسن جميع ما يؤكل من هاتين الشجرتين كالثمر والدبس والزبيب والخل، وكان نزول هذه الآية قبل تحريم الخمر، وقيل إن السكر الخل بلغة الحبشة، والرزق الحسن الطعام من الشجرتين، وقيل السكر العصر الحلو الحلال، وسمى سكرا لأنه قد يصير مسكرا إذا بقي، فإذا بلغ الإسكار حرم. والقول الأول أولى وعليه الجمهور، وقد صرح أهل اللغة بأن السكر اسم للخمر، ولم يخالف في ذلك إلا أبو عبيدة فإنه قال: السكر الطعم، ومما يدل على ما قاله جمهور أهل اللغة قول الشاعر:
بئس الصحاب وبئس الشرب شربهم * إذا جرى فيهم الهذي والسكر ومما يدل على ما قاله أبو عبيدة ما أنشده: * جعلت عيب الأكرمين سكرا * أي جعلت ذمهم طعما، ورجح هذا ابن جرير فقال: إن السكر ما يطعم من الطعام ويحل شربه من ثمار النخيل والأعناب وهو الرزق الحسن، فاللفظ مختلف والمعنى واحد مثل - إنما أشكو بثي وحزني إلى الله - قال الزجاج: قول أبى عبيدة هذا لا يعرف، وأهل التفسير على خلافه ولا حجة في البيت الذي أنشده لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتخمر بعيوب الناس، وقد حمل السكر جماعة من الحنفية على ما لا يسكر من الأنبذة وعلى ما ذهب ثلثاه بالطبخ، قالوا: وإنما يمتن الله على عباده بما أحله لهم لا بما حرمه عليهم وهذا مردود بالأحاديث الصحيحة المتواترة على فرض تأخره عن آية تحريم الخمر اه (إن في ذلك لآية لقوم يعقلون) أي لدلالة لمن يستعمل العقل ويعمل بما يقتضيه عند النظر في الآيات التكوينية (وأوحى ربك إلى النحل) قد تقدم الكلام في الوحي وأنه يكون بمعنى الإلهام، وهو ما يخلقه في القلب ابتداء من غير سبب ظاهر، ومنه قوله سبحانه - ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها - ومن ذلك إلهام البهائم لفعل ما ينفعها وترك ما يضرها، وقرأ يحيى بن وثاب " إلى النحل " بفتح الحاء. قال الزجاج: وسمى نحلا لأن الله سبحانه نحله العسل الذي يخرج منه. قال الجوهري: والنحل والنحلة الدبر يقع على الذكر والأنثى (أن اتخذي من الجبال بيوتا) أي بأن اتخذي على أن " أن " هي المصدرية، ويجوز أن تكون تفسيرية لأن في الإيحاء معنى القول، وأنث الضمير في اتخذي لكونه أحد الجائزين كما تقدم، أو للحمل على المعنى أو لكون النحل جمعا، وأهل الحجاز يؤنثون النحل " ومن " في من الجبال بيوتا (و) كذا في (من الشجر و) كذا في (مما يعرشون) للتبعيض: أي مساكن توافقها وتليق بها في كوى الجبال وتجويف محمد الشجر، وفى العروش التي يعرشها بنو آدم من الأجناح والحيطان وغيرها، وأكثر ما يستعمل فيما يكون من الخشب، يقال عرش يعرش بكسر الراء وضمها. وبالضم قرأ ابن عامر وشعبة. وقرأ الباقون بالكسر. وقرئ أيضا بيوتا بكسر الباء وضمها (ثم كلى من كل الثمرات) من للتبعيض لأنها تأكل النور من الأشجار فإذا أكلتها (فاسلكي سبل ربك) أي الطرق التي فهمك الله وعلمك، وأضافها إلى الرب لأنه خالقها وملهم النحل أن تسلكها: أي ادخلي طرق ربك لطلب الرزق في الجبال وخلال الشجر، أو اسلكي ما أكلت في سبل ربك: أي في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور عسلا أو إذا أكلت الثمار في الأمكنة البعيدة فاسلكي إلى بيوتك راجعة سبل ربك لا تضلين فيها، وانتصاب (ذللا) على الحال من السبل، وهى جمع ذلول: أي مذللة غير متوعرة، واختار هذا الزجاج وابن جرير، وقيل حال من النحل: يعنى: مطيعة للتسخير وإخراج العسل من بطونها، واختار هذا ابن قتيبة، وجملة (يخرج من بطونها) مستأنفة عدل به عن خطاب النحل، تعديدا للنعم، وتعجيبا لكل سامع، وتنبيها على الغير، وإرشادا إلى الآيات العظيمة الحاصلة من هذا الحيوان الشبيه بالذباب، والمراد با (شراب) في الآية هو العسل،