وابن محيصن بكسر النون مشددة على إدغام النون في النون، وأصله تبشرونني. وقرأ الباقون " تبشرون " بفتح النون (قالوا بشرناك بالحق) أي باليقين الذي لا خلف فيه، فإن ذلك وعد الله وهو لا يخلف الميعاد ولا يستحيل عليه شئ، فإنه القادر على كل شئ (فلا تكن من القانطين) هكذا قرأ الجمهور بإثبات الألف وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب " من القنطين " بغير ألف، وروى ذلك عن أبي عمرو: أي من الآيسين من ذلك الذي بشرناك به (قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) قرئ بفتح النون من يقنط وبكسرها وهما لغتان. وحكى فيه ضم النون: والضالون المكذبون، أو المخطئون الذاهبون عن طريق الصواب: أي إنما استبعدت الولد لكبر سنى لا لقنوطي من رحمة ربى، ثم سألهم عما لأجله أرسلهم الله سبحانه ف (قال فما خطبكم أيها المرسلون) الخطب: الأمر الخطير والشأن العظيم: أي فما أمركم وشأنكم وما الذي جئتم به غير ما قد بشرتموني به، وكأنه قد فهم أن مجيئهم ليس لمجرد البشارة، بل لهم شأن آخر لأجله أرسلوا (قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) أي إلى قوم له إجرام، فيدخل تحت ذلك الشرك وما هو دونه، وهؤلاء القوم: هم قوم لوط، ثم استثنى منهم من ليسوا مجرمين فقال (إلا آل لوط) وهو استثناء متصل، لأنه من الضمير في مجرمين، ولو كان من قوم لكان منقطعا لكونهم قد وصفوا بكونهم مجرمين، وليس آل لوط مجرمين، ثم ذكر ما سيختص به آل لوط من الكرامة لعدم دخولهم مع القوم في إجرامهم فقال (إنا لمنجوهم أجمعين) أي آل لوط، وهم أتباعه وأهل دينه، وهذه الجملة مستأنفة على تقدير كون الاستثناء متصلا كأنه قيل ماذا يكون حال آل لوط؟ فقال: إنا لمنجوهم أجمعين، وأما على تقدير كون الاستثناء منقطعا فهي خبر: أي لكن آل لوط ناجون من عذابنا. وقرأ حمزة والكسائي " لمنجوهم " بالتخفيف من أنجا. وقرأ الباقون بالتشديد من نجى، واختار هذه القراءة الأخيرة أبو عبيدة وأبو حاتم، والتنجية والإنجاء التخليص مما وقع فيه غيرهم (إلا امرأته) هذا الاستثناء من الضمير في منجوهم إخراجا لها من التنجية: أي إلا امرأته فليست ممن ننجيه بل ممن نهلكه، وقيل إن الاستثناء من آل لوط باعتبار ما حكم لهم به من التنجية، والمعنى:
قالوا: إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنهلكهم إلا آل لوط إنا لمنجوهم إلا امرأته فإنها من الهالكين، ومعنى (قدرنا أنها لمن الغابرين) قضينا وحكمنا أنها من الباقين في العذاب مع الكفرة، والغابر الباقي، قال الشاعر:
لا تكسح الشول بأغبارها * إنك لا تدرى من الناتج والإغبار: بقايا اللبن، قال الزجاج: معنى قدرنا دبرنا وهو قريب من معنى قضينا وأصل التقدير: جعل الشئ على مقدار الكفاية. وقرأ عاصم من رواية أبى بكر والمفضل " قدرنا " بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتشديد.
قال الهروي: هما بمعنى، وإنما أسند التقدير إلى الملائكة مع كونه من فعل الله سبحانه لما لهم من القرب عند الله (فلما جاء آل لوط المرسلون) هذه الجملة مستأنفة لبيان وإهلاك من يستحق الهلاك وتنجية من يستحق النجاة (قال إنكم قوم منكرون) أي قال لوط مخاطبا لهم إنكم قوم منكرون: أي لا أعرفكم بل أنكركم (قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون) أي بالعذاب الذي كانوا يشكون فيه، فالإضراب هو عن مجيئهم بما ينكره، كأنهم قالوا: ما جئناك بما خطر ببالك من المكروه، بل جئناك بما فيه سرورك، وهو عذابهم الذي كنت تحذرهم منه وهم يكذبونك (وأتيناك بالحق) أي باليقين الذي لا مرية فيه ولا تردد، وهو العذاب النازل بهم لا محالة (وإنا لصادقون) في ذلك الخبر الذي أخبرناك، وقد تقدم تفسير قوله (فاسر بأهلك بقطع من الليل) في سورة هود (واتبع أدبارهم) أي كن من ورائهم تذودهم لئلا يختلف منهم أحد فيناله العذاب (ولا يلتفت منكم أحد) أي لا تلتفت أنت ولا يلتفت أحد منهم فيرى ما نزل بهم من العذاب، فيشتغل بالنظر في ذلك ويتباطأ عن سرعة السير والبعد عن ديار