يرجعون وهو بعيد جدا قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين في الكلام حذف والتقدير فلما رجعوا من عيدهم ورأوا ما حدث بآلهتهم قالوا هذه المقالة والاستفهام للتوبيخ وقيل إن من ليست استفهامية بل هي مبتدأ وخبرها إنه لمن الظالمين أي فاعل هذا ظالم والأول أولى لقولهم سمعنا فتى الخ فإنه قال بهذا بعضهم مجيبا للمستفهمين لهم وهذا القائل هو الذي سمع إبراهيم يقول تالله لأكيدن أصنامكم ومعنى يذكرهم يعيبهم وقد سبق تحقيق مثل هذه العبارة وجملة يقال له إبراهيم صفة ثانية لفتى قال الزجاج وارتفع إبراهيم على معنى يقال له هو إبراهيم فهو على هذا خبر مبتدأ محذوف وقيل ارتفاعه على أنه مفعول ما لم يسم فاعله وقيل مرتفع على النداء ومن غرائب التدقيقات النحوية وعجائب التوجيهات الإعرابية أن الأعلم الشنتمري الأشبيلي قال إنه مرتفع على الإهمال قال ابن عطية ذهب إلى رفعه بغير شئ والفتى هو الشاب والفتاة الشابة قالوا فأتوا به على أعين الناس القائلون هم السائلون أمروا بعضهم أن يأتي به ظاهرا بمرأى من الناس قيل إنه لما بلغ الخبر نمروذ وأشراف قومه كرهوا أن يأخذوه بغير بينة فقالوا هذه المقالة ليكون ذلك حجة عليه يستحلون بها منه ما قد عزموا على أن يفعلوه به ومعنى لعلهم يشهدون لعلهم يحضرون عقابه حتى ينزجر غيره عن الاقتداء به في مثل هذا وقيل لعلهم يشهدون عليه بأنهم رأوه يكسر الأصنام أو لعلهم يشهدون طعنه على أصنامهم وجملة قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم مستأنفة جواب سؤال مقدر وفى الكلام حذف تقديره فجاء إبراهيم حين أتوا به فاستفهموه هل فعل ذلك لإقامة الحجة عليه في زعمهم قال بل فعله كبيرهم هذا أي قال إبراهيم مقيما للحجة عليهم مبكتا لهم بل فعله كبيرهم هذا مشيرا إلى الصنم الذي تركه ولم يكسره فاسألوهم إن كانوا ينطقون أي إن كانوا ممن يمكنه النطق ويقدر على الكلام ويفهم ما يقال له فيجيب عنه بما يطابقه أراد عليه الصلاة والسلام أن يبين لهم أن من لا يتكلم ولا يعلم ليس بمستحق للعبادة ولا يصح في العقل أن يطلق عليه أنه إله فأخرج الكلام مخرج التعريض لهم بما يوقعهم في الاعتراف بأن الجمادات التي عبدوها ليست بآلهة لأنهم إذا قالوا إنهم لا ينطقون قال لهم فكيف تعبدون من يعجز عن النطق ويقصر عن أن يعلم بما يقع عنده في المكان الذي هو فيه فهذا الكلام من باب فرض الباطل مع الخصم حتى تلزمه الحجة ويعترف بالحق فإن ذلك أقطع لشبهته وأدفع لمكابرته وقيل أراد إبراهيم عليه السلام بنسبة الفعل إلى ذلك الكبير من الأصنام أنه فعل ذلك لأنه غار وغضب من أن يعبد وتعبد الصغار معه إرشادا لهم إلى أن عبادة هذه الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تدفع لا تستحسن في العقل مع وجود خالقها وخالقهم والأول أولى وقرأ ابن السميفع بل فعله بتشديد اللام على معنى بل فلعل الفاعل كبيرهم فرجعوا إلى أنفسهم أي رجع بعضهم إلى بعض رجوع المنقطع عن حجته المتفطن لصحة حجة خصمه المراجع لعقله وذلك أنهم تنبهوا وفهموا عند هذه المقاولة بينهم وبين إبراهيم أن من لا يقدر على دفع المضرة عن نفسه ولا على الإضرار بمن فعل به ما فعله إبراهيم بتلك الأصنام يستحيل أن يكون مستحقا للعبادة ولهذا قالوا إنكم أنتم الظالمون أي قال بعضهم لبعض أنتم الظالمون لأنفسكم بعبادة هذه الجمادات وليس الظالم من نسبتم الظلم إليه بقولكم إنه لمن الظالمين ثم نكسوا على رؤوسهم أي رجعوا إلى جهلهم وعنادهم شبه سبحانه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشئ أعلاه وقيل المعنى أنهم طأطئوا رؤوسهم خجلة من إبراهيم وهو ضعيف لأنه لم يقل نكسوا رؤوسهم بفتح الكاف وإسناد الفعل إليهم حتى يصح
(٤١٤)