الشرك فرغت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين وكادت تزول منه لعظمة الله سبحانه، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك يرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين، وفى قوله (وتخر الجبال هدا) قال: هدما. وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والطبراني والبيهقي في الشعب من طريق عون عن ابن مسعود قال: إن الجبل لينادي الجبل باسمه، يا فلان هل مر بك اليوم أحد ذكر الله؟ فإذا قال نعم استبشر. قال عون: أفيسمعن الزور إذا قيل ولا يسمعن الخير؟ هن للخير أسمع، وقرأ (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا) الآيات.
سورة مريم الآية (96 - 98) ذكر سبحانه من أحوال المؤمنين بعض ما خصهم به بعد ذكره لقبائح الكافرين قال (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) أي حبا في قلوب عباده يجعله لهم من دون أن يطلبوه بالأسباب التي توجب ذلك كما يقذف في قلوب أعدائهم الرعب، والسين في سيجعل للدلالة على أن ذلك لم يكن من قبل وأنه مجعول من بعد نزول الآية. وقرئ " ودا " بكسر الواو، والجمهور من السبعة وغيرهم على الضم. ثم ذكر سبحانه تعظيم القرآن خصوصا هذه السورة لاشتمالها على التوحيد والنبوة، وبيان حال المعاندين فقال (فإنما يسرناه بلسانك) أي يسرنا القرآن بإنزالنا له على لغتك، وفصلناه وسهلناه، والباء بمعنى على، والفاء لتعليل كلام ينساق إليه النظم كأنه قيل:
بلغ هذا المنزل أو بشر به أو أنذر (فإنما يسرناه) الآية. ثم علل ما ذكره من التيسير فقال (لتبشر به المتقين) أي المتلبسين بالتقوى، المتصفين بها (وتنذر به قوما لدا) اللد جمع الألد، وهو الشديد الخصومة، ومنه قوله تعالى - ألد الخصام - قال الشاعر:
أبيت نجيا للهموم كأنني * أخاصم أقواما ذوي جدل لدا وقال أبو عبيدة: الألد الذي لا يقبل الحق ويدعى الباطل، وقيل اللد الصم، وقيل الظلمة (وكم أهلكنا قبلهم من قرن) أي من أمة وجماعة من الناس، وفى هذا وعد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهلاك الكافرين ووعيد لهم (هل تحس منهم من أحد) هذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها: أي هل تشعر بأحد منهم أو تراه (أو تسمع لهم ركزا) الركز الصوت الخفي، ومنه ركز الرمح إذا غيب طرفه في الأرض. قال طرفة:
وصادفتها سمع التوجس للسرى * لركز خفي أو لصوت مفند وقال ذو الرمة:
إذا توجس ركزا مقفر ندس * بنبأة الصوت ما في سمعه كذب أي: في استماعه كذب بل هو صادق الاستماع، والندس الحاذق، والنبأة الصوت الخفي. وقال اليزيدي وأبو عبيدة: الركز ما لا يفهم من صوت أو حركة.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عبد الرحمن بن عوف أنه لما هاجر إلى المدينة وجد