سورة الإسراء الآية (76 - 77) قوله (يوم ندعوا كل أناس بامامهم) قال الزجاج: يعني يوم القيامة، وهو منصوب على معنى أذكر يوم ندعوا. وقرئ " يدعو " بالياء التحتية على البناء للفاعل ويدعى على البناء للمفعول، والباء في بامامهم للإلصاق كما تقول: أدعوك باسمك، ويجوز أن تكون متعلقة بمحذوف هو حال، والتقدير: ندعو كل أناس متلبسين بامامهم أي يدعون وإمامهم فيهم نحو ركب بجنوده، والأول أولى والامام في اللغة كل ما يؤتم به من نبي أو مقدم في الدين أو كتاب.
وقد اختلف المفسرون في تعيين الإمام الذي تدعى كل أناس به، فقال ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك إنه كتاب كل إنسان الذي فيه عمله: أي يدعى كل إنسان بكتاب عمله، ويؤيد هذا قوله - فأما من أوتى كتابه - الآية، وقال ابن زيد الإمام: هو الكتاب المنزل عليهم فيدعى أهل التوراة بالتوراة، وأهل الإنجيل بالإنجيل، وأهل القرآن بالقرآن، فيقال: يا أهل التوراة يا أهل الإنجيل يا أهل القرآن. وقال مجاهد وقتادة: إمامهم نبيهم فيقال هاتوا متبعي إبراهيم، هاتوا متبعي موسى، هاتوا متبعي عيسى، هاتوا متبعي محمد، وبه قال الزجاج. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، المراد بالإمام إمام عصرهم، فيدعى أهل كل عصر بإمامهم الذي كانوا يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه. وقال الحسن وأبو العالية: المراد بإمامهم أعمالهم، فيقال مثلا: أين المجاهدون أين الصابرون أين الصائمون أين المصلون؟ ونحو ذلك. وروى عن ابن عباس وأبي هريرة. وقال أبو عبيدة، المراد بإمامهم صاحب مذهبهم، فيقال مثلا: أين التابعون للعالم فلان بن فلان، وهذا من البعد بمكان. وقال محمد بن كعب:
بإمامهم بأمهاتهم، على أن إمام جمع أم كخف وخفاف. وهذا بعيد جدا. وقيل الإمام هو كل خلق يظهر من الإنسان حسن كالعلم والكرم والشجاعة. أو قبيح كأضدادها. فالداعي إلى تلك الأفعال خلق باطن هو كالإمام ذكر معناه الرازي في تفسيره (فمن أوتى كتابه بيمينه) من أولئك المدعوين، وتخصيص اليمين بالذكر للتشريف والتبشير (فأولئك) الإشارة إلى من باعتبار معناه. قيل ووجه الجمع الإشارة إلى أنهم مجتمعون على شأن جليل، أو الإشعار بأن قراءتهم لكتبهم تكون على وجه الاجتماع لا على وجه الانفراد (يقرءون كتابهم) الذي أوتوه (ولا يظلمون فتيلا) أي لا ينقصون من أجورهم قدر فتيل، وهو القشرة التي في شق النواة، أو هو عبارة عن أقل شئ ولم يذكر أصحاب الشمال تصريحا. ولكنه ذكر سبحانه ما يدل على حالهم القبيح فقال (ومن كان في هذه أعمى) أي من كان من المدعوين في هذه الدنيا أعمى: أي فاقد البصيرة. قال النيسابوري: لا خلاف أن المراد بهذا العمى عمى القلب. وأما قوله (فهو في الآخرة أعمى) فيحتمل أن يراد به عمى البصر كقوله - ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا - وفى هذا زيادة العقوبة، ويحتمل أن يراد عمى القلب. وقيل المراد بالآخرة عمل الآخرة: أي فهو في عمل، أو في أمر الآخرة أعمى، وقيل المراد من عمى عن النعم التي أنعم الله بها عليه في الدنيا فهو عن نعم الآخرة أعمى، وقيل من كان في الدنيا التي تقبل فيها التوبة أعمى فهو في الآخرة التي لا توبة فيها أعمى، وقيل من كان في الدنيا أعمى عن حجج الله فهو في الآخرة أعمى، وقد قيل إن قوله " فهو في الآخرة أعمى " أفعل تفضيل: أي أشد عمى وهذا مبني على أنه من عمى القلب إذ لا يقال ذلك في عمى العين. قال الخليل