والنهار ليتصرفوا فيه في معايشهم، وخلق الشمس والقمر أي جعل الشمس آية النهار، والقمر آية الليل، ليعلموا عدد الشهور والحساب كما تقدم بيانه في سبحان (كل في فلك يسبحون) أي كل واحد من الشمس والقمر والنجوم في فلك يسبحون: أي يجرون في وسط الفلك، ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء، والجمع في الفعل باعتبار المطالع، قال سيبويه: إنه لما أخبر عنهن بفعل من يعقل، وجعلهن في الطاعة بمنزلة من يعقل، جعل الضمير عنهن ضمير العقلاء، ولم يقل يسبحن أو تسبح، وكذا قال الفراء. وقال الكسائي: إنما قال يسبحون لأنه رأس آية، والفلك واحد أفلاك النجوم، وأصل الكلمة من الدوران، ومنه فلك المغزل لاستدارتها (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) أي دوام البقاء في الدنيا (أفإن مت) بأجلك المحتوم (فهم الخالدون) أي أفهم الخالدون.
قال الفراء: جاء بالفاء لتدل على الشرط لأنه جواب قولهم سيموت. قال: ويجوز حذف الفاء وإضمارها، والمعنى:
إن مت فهم يموتون أيضا، فلا شماتة في الموت. وقرئ " مت " بكسر الميم وضمها لغتان: وكان سبب نزول هذه الآية قول المشركين فيما حكاه الله عنهم - أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون - (كل نفس ذائقة الموت) أي زاهقة مفارقة جسدها، فلا يبقى أحد من ذوات الأنفس المخلوقة كائنا ما كان (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) أي نختبركم بالشدة والرخاء، لننظر كيف شكركم وصبركم. والمراد أنه سبحانه يعاملهم معاملة من يبلوهم، وفتنة مصدر لنبلوكم من غير لفظه (وإلينا ترجعون) لا إلى غيرنا فنجازيكم بأعمالكم إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال: قالت اليهود إن الله عز وجل صاهر الجن فكانت بنيهم الملائكة، فقال الله تكذيبا لهم (بل عباد مكرمون) أي الملائكة ليس كما قالوا، بل عباد أكرمهم بعبادته (لا يسبقونه بالقول) يثني عليهم (ولا يشفعون) قال: لا تشفع الملائكة يوم القيامة (إلا لمن ارتضى) قال: لأهل التوحيد.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله (إلا لمن ارتضى) قال: لأهل التوحيد لمن رضي عنه. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الآية قال: قول لا إله إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس في الآية قال: الذين ارتضاهم لشهادة أن لا إله إلا الله. وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلا قوله تعالى " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " قال: إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله (كانتا رتقا ففتقناهما) قال: فتقت السماء بالغيث، وفتقت الأرض بالنبات. وأخرج ابن أبي حاتم عنه (كانتا رتقا) قال: لا يخرج منهما شئ، وذكر مثل ما تقدم. وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عنه أيضا من طريق أخرى. وأخرج ابن جرير عنه (كانتا رتقا) قال:
ملتصقتين. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية في قوله (وجعلنا من الماء كل شئ حي) قال: نطفة الرجل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس (وجعلنا فيها فجاجا سبلا) قال: بين الجبال. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (كل في فلك) قال: دوران (يسبحون) قال يجرون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عنه (كل في فلك) قال: فلك كفلكة المغزل (يسبحون) قال: يدورون في أبواب السماء. كما تدور الفلكة في المغزل.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال: هو فلك السماء. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قال: دخل أبو بكر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد مات فقبله وقال:
وانبياه واخليلاه واصفياه، ثم تلا (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) الآية، وقوله - إنك ميت وإنهم ميتون -.