ولامانع من حمل الآية على جميع ذلك وعلى ما هو حق كائنا ما كان، والمراد بالباطل الشرك، وقيل الشيطان ولا يبعد أن يحمل على كل ما يقابل الحق من غير فرق بين باطل وباطل. ومعنى زهق بطل واضمحل، ومنه زهوق النفس وهو بطلانها (إن الباطل كان زهوقا) أي إن هذا شأنه فهو يبطل ولا يثبت، والحق ثابت دائما (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) قرأ الجمهور " ننزل " بالنون. وقرأ أبو عمرو بالتخفيف. وقرأ مجاهد بالياء التحتية والتخفيف، ورواها المروزي عن حفص، ومن لابتداء الغاية، ويصح أن تكون لبيان الجنس، وقيل للتبعيض وأنكره بعض المفسرين لاستلزامه أن بعضه لا شفاء فيه، ورده ابن عطية بأن المبعض هو إنزاله.
واختلف أهل العلم في معنى كونه شفاء على القولين: الأول أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وذهاب الريب وكشف الغطاء عن الأمور الدالة على الله سبحانه. القول الثاني أنه شفاء من الأمراض الظاهرة بالرقى والتعوذ ونحو ذلك، ولا مانع من حمل الشفاء على المعنيين من باب عموم المجاز، أو من باب حمل المشترك على معنييه. ثم ذكر سبحانه أنه رحمة للمؤمنين لما فيه من العلوم النافعة المشتملة على ما فيه صلاح الدين والدنيا، ولما في تلاوته وتدبره من الأجر العظيم الذي يكون سببا لرحمة الله سبحانه ومغفرته ورضوانه، ومثل هذه الآية قوله تعالى - قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء، والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى - ثم لما ذكر سبحانه ما في القرآن من المنفعة لعباده المؤمنين ذكر ما فيه لمن عداهم من المضرة عليهم فقال (ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) أي ولا يزيد القرآن كله أو كل بعض منه الظالمين الذي وضعوا التكذيب موضع التصديق، والشك والارتياب موضع اليقين والاطمئنان (إلا خسارا) أي هلاكا، لأن سماع القرآن يغيظهم ويحنقهم ويدعوهم إلى زيادة ارتكاب القبائح تمردا وعنادا، فعند ذلك يهلكون، وقيل الخسار النقص كقوله - فزادتهم رجسا إلى رجسهم - ثم نبه سبحانه على فتح بعض ما جبل عليه الإنسان من الطبائع المذمومة فقال (وإذا أنعمنا على الإنسان) أي على هذا الجنس بالنعم التي توجب الشكر كالصحة والغنى (أعرض) عن الشكر لله والذكر له (ونآى بجانبه) النأي البعد والباء للتعدية أو للمصاحبة، وهو تأكيد للإعراض، لأن الإعراض عن الشئ هو أن يوليه عرض وجهه: أي ناحيته، والنأي بالجانب أن يلوى عنه عطفه ويوليه ظهره، ولا يبعد أن يراد بالإعراض هنا الإعراض عن الدعاء والابتهال الذي كان يفعله عند نزول البلوى والمحنة به، ويراد بالنأي بجانبه التكبر والبعد بنفسه عن القيام بحقوق النعم. وقرأ بن عامر في رواية ابن ذكوان وأبو جعفر ناء مثل باع بتأخير الهمزة على القلب، وقرأ حمزة " ناءي " بإمالة الفتحتين ووافقه الكسائي، وأمال شعبة والسوسي الهمزة فقط. وقرأ الباقون بالفتح فيهما (وإذا مسه الشر) من مرض أو فقر (كان يئوسا) شديد اليأس من رحمة الله، والمعنى: أنه إن فاز بالمطلوب الدنيوي، وظفر بالمقصود نسي المعبود، وإن فاته شئ من ذلك استولى عليه الأسف، وغلب عليه القنوط، وكلتا الخصلتين قبيحة مذمومة ولا ينافي ما في هذه الآية قوله تعالى - وإن مسه الشر فذو دعاء عريض - ونظائره، فإن ذلك شأن بعض آخر منهم غير البعض المذكور في هذه الآية، ولا يبعد أن يقال لا منافاة بين الآيتين فقد يكون مع شدة يأسه وكثرة قنوطه كثير الدعاء بلسانه (قل كل يعمل على شاكلته) الشاكلة قال الفراء: الطريقة، وقيل الناحية، وقيل الطبيعة، وقيل الدين، وقيل النية، وقيل الجبلة، وهى مأخوذة من الشكل، يقال لست على شكلي ولا على شاكلتي والشكل: هو المثل والنظير. والمعنى: أن كل إنسان يعمل على ما يشاكل أخلاقه التي ألفها، وهذا ذم للكافر