يرثني وارث من آل يعقوب على أنه فاعل يرثني. وقرئ " وارث آل يعقوب " أي أنا. وقرئ " أو يرث آل يعقوب " بلفظ التصغير على أن هذا المصغر فاعل يرثني، وهذه القراءات في غاية الشذوذ لفظا ومعنى (واجعله رب رضيا) أي مرضيا في أخلاقه وأفعاله، وقيل راضيا بقضائك وقدرك، وقيل رجلا صالحا ترضى عنه، وقيل نبيا كما جعلت آباءه أنبياء (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى) قال جمهور المفسرين: إن هذا النداء من الله سبحانه، وقيل إنه من جهة الملائكة، لقوله في آل عمران - فنادته الملائكة -، وفى الكلام حذف: أي فاستجاب له دعاءه، فقال يا زكرياء، وقد تقدم في آل عمران وجه التسمية بيحيى وزكرياء. قال الزجاج: سمى يحيى لأنه حيى بالعلم والحكمة التي أوتيها (لم نجعل له من قبل سميا) قال أكثر المفسرين: معناه لم نسم أحدا قبله يحيى. وقال مجاهد وجماعة: معنى (لم نجعل له من قبل سميا) أنه لم يجعل له مثلا ولا نظيرا، فيكون على هذا مأخوذ من المساماة أو السمو، ورد هذا بأنه يقتضى تفضيله على إبراهيم وموسى، وقيل معناه: لم تلد عاقر مثله، والأول أولى.
وفى إخباره سبحانه بأنه لم يسم بهذا الاسم قبله أحد فضيلة له من جهتين: الأولى أن الله سبحانه هو الذي تولى تسميته به، ولم يكلها إلى الأبوين. والجهة الثانية أن تسميته باسم لم يوضع لغيره يفيد تشريفه وتعظيمه (قال رب أني يكون لي غلام) أي كيف أو من أين يكون لي غلام؟ وليس معنى هذا الاستفهام الإنكار، بل التعجب من قدرة الله وبديع صنعه، حيث يخرج ولدا من امرأة عاقر وشيخ كبير، وقد تقدم الكلام على مثل هذا في آل عمران (وقد بلغت من الكبر عتيا) يقال عتا الشيخ يعتو عتيا إذا انتهى سنه وكبر، وشيخ عات إذا صار إلى حال اليبس والجفاف، والأصل عتوا لأنه من ذوات الواو فأبدلوه ياء لكونها أخف، ومثل ما في الآية قول الشاعر:
إنما يعذر الوليد ولا يعذر * من كان في الزمان عتيا وقرأ يحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وحفص والأعمش " عتيا " بكسر العين، وقرأ الباقون بضم العين وهما لغتان، ومحل جملة (وكانت امرأتي عاقرا) النصب على الحال من ضمير المتكلم، ومحل جملة (وقد بلغت من الكبر عتيا) النصب أيضا على الحال، وكلا الجملتين لتأكيد الاستبعاد والتعجب المستفاد من قوله (أنى يكون لي غلام) أي كيف يحصل بيننا ولد الآن، وقد كانت امرأتي عاقرا لم تلد في شبابها وشبابي وهى الآن عجوز، وأنا شيخ هرم؟ ثم أجاب الله سبحانه على هذا السؤال المشعر بالتعجب والاستبعاد بقوله (قال كذلك قال ربك) الكاف في محل رفع: أي الأمر كذلك. والإشارة إلى ما سبق من قول زكريا، ثم ابتدأ بقوله (قال ربك) ويحتمل أن يكون محله النصب على المصدرية: أي قال قولا مثل ذلك، والإشارة بذلك إلى مبهم يفسره قوله (هو على هين) وأما على الاحتمال الأول فتكون جملة (هو على هين) مستأنفة مسوقة لإزالة استبعاد زكريا بعد تقريره: أي قال هو مع بعده عندك على هين، وهو فيعل من هان الشئ يهون إذا لم يصعب ولم يمتنع من المراد. قال الفراء أي خلقه على هين (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) هذه الجملة مقررة لما قبلها. قال الزجاج: أي فخلق الولد لك كخلقك، والمعنى: أن الله سبحانه خلقه ابتداء وأوجده من العدم المحض، فإيجاد الولد له بطريق التوالد المعتاد أهون من ذلك وأسهل منه، وإنما لم ينسب ذلك إلى آدم عليه السلام لكونه المخلوق من العدم حقيقة بأن يقول:
وقد خلقت أباك آدم من قبل ولم يك شيئا، للدلالة على أن كل فرد من أفراد البشر له حظ من إنشاء آدم من العدم قرأ أهل المدينة وأهل مكة والبصرة وعاصم وابن عامر " وقد خلقتك من قبل " وقرأ سائر الكوفيين " وقد خلقناك من قبل " (قال رب اجعل لي آية) أي علامة تدلني على وقوع المسؤول وتحققه وحصول الحبل، والمقصود من هذا السؤال تعريفه وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه. قال ابن الأنباري: وجه ذلك أن نفسه تاقت