(فاختلط به نبات الأرض) أي اختلط بالماء نبات الأرض حتى استوى، وقيل المعنى: إن النبات اختلط بعضه ببعض حين نزل عليه الماء، لأن النبات إنما يختلط ويكثر بالمطر، فتكون الباء في به سببية (فأصبح) النبات (هشيما) الهشيم الكسير، وهو من النبات ما تكسر بسبب انقطاع الماء عنه وتفتت، ورجل هشيم ضعيف البدن، وتهشم عليه فلان إذا تعطف، واهتشم ما في ضرع الناقة إذا اختلبه، وهشم الثريد كسره وثرده، ومنه قول ابن الزبعري:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه * ورجال مكة مسنتون عجاف (تذروه الرياح) تفرقه. قال أبو عبيدة وابن قتيبة: تذروه تنسفه، وقال ابن كيسان: تذهب به وتجئ، والمعنى متقارب. وقرأ طلحة بن مصرف " تذريه الريح " قال الكسائي: وفى قراءة عبد الله " تذريه " يقال ذرته الريح تذروه، وأذرته تذريه. وحكى الفراء: أذريت الرجل عن فرسه: أي قلبته (وكان الله على كل شئ مقتدرا) أي على كل شئ من الأشياء يحييه ويفنيه بقدرته لا يعجز عن شئ (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) هذا رد على الرؤساء الذين كانوا يفتخرون بالمال والغنى والأبناء فأخبرهم سبحانه أن ذلك مما يتزين به في الدنيا لا مما ينفع في الآخرة، كما قال في الآية الأخرى - إنما أموالكم وأولادكم فتنة - وقال - إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم - ولهذا عقب هذه الزينة الدنيوية بقوله (والباقيات الصالحات) أي أعمال الخير، وهى ما كان يفعله فقراء المسلمين من الطاعات (خير عند ربك ثوابا) أي أفضل من هذه الزينة بالمال والبنين ثوابا، وأكثر عائدة ومنفعة لأهلها (وخير أملا) أي أفضل أملا، يعنى أن هذه الأعمال الصالحة لأهلها من الأمل أفضل مما يؤمله أهل المال والبنين، لأنهم ينالون بها في الآخرة أفضل مما كان يؤمله هؤلاء الأغنياء في الدنيا، وليس في زينة الدنيا خير حتى تفضل عليها الآخرة، ولكن هذا التفضيل خرج مخرج قوله تعالى - أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا -، والظاهر أن الباقيات الصالحات كل عمل خير فلا وجه لقصرها على الصلاة كما قال بعض، ولا لقصرها على نوع من أنواع الذكر كما قاله بعض آخر، ولا على ما كان يفعله فقراء المهاجرين باعتبار السبب، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وبهذا تعرف أن تفسير الباقيات الصالحات في الأحاديث بما سيأتي لا ينافي إطلاق هذا اللفظ على ما هو عمل صالح من غيرها.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن علي قال (المال والبنون) حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد جمعهما الله لأقوام. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس في قوله (والباقيات الصالحات) قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وأبو يعلي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " استكثروا من الباقيات الصالحات، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد ولا حول ولا قوة إلا بالله " وأخرج الطبراني وابن شاهين وابن مردويه عن أبي الدرداء مرفوعا بلفظ " سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هن الباقيات الصالحات " وأخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الصغير والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا " خذوا جنتكم، قيل يا رسول الله من أي عدو قد حضر؟ قال: بل جنتكم من النار قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات معقبات ومجنبات، وهى الباقيات الصالحات " وأخرج سعيد ابن منصور وأحمد وابن مردويه عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " ألا وإن سبحان