ومدح للمؤمن (فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) لأنه الخالق لكم العالم بما جبلتم عليه من الطبائع وما تباينتم قد فيه من الطرائق، فهو الذي يميز بين المؤمن الذي لا يعرض عند النعمة ولا يبأس عند المحنة، وبين الكافر الذي شأنه البطر للنعم والقنوط عند النقم. ثم لما انجر الكلام إلى ذكر الإنسان وما جبل عليه، ذكر سبحانه سؤال السائلين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الروح فقال (ويسألونك عن الروح) قد اختلف الناس في الروح المسؤول عنه، فقيل هو الروح المدبر للبدن الذي تكون به حياته، وبهذا قال أكثر المفسرين. قال الفراء: الروح الذي يعيش به الإنسان لم يخبر الله سبحانه به أحدا من خلقه، ولم يعط علمه أحدا من عباده فقال (قل الروح من أمر ربى) أي إنكم لا تعلمونه، وقيل الروح المسؤول عنه جبريل، وقيل عيسى، وقيل القرآن، وقيل ملك من الملائكة عظيم الخلق، وقيل خلق كخلق بني آدم، وقيل غير ذلك مما لا طائل تحته ولا فائدة في إيراده، والظاهر القول الأول، وسيأتي ذكر سبب نزول هذه الآية، وبيان السائلين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الروح، ثم الظاهر أن السؤال عن حقيقة الروح، لأن معرفة حقيقة الشئ أهم وأقدم من معرفة حال من أحواله، ثم أمره سبحانه أن يجيب على السائلين له عن الروح فقال (قل الروح من أمر ربى) من بيانية، والأمر الشأن والإضافة للاختصاص، أي هو من جنس ما استأثر الله بعلمه من الأشياء التي لم يعلم بها عباده، وقيل معنى (من أمر ربى) من وحيه وكلامه لا من كلام البشر، وفى هذه الآية ما يزجر الخائضين في شأن الروح المتكلفين لبيان ماهيئته وإيضاح حقيقته أبلغ زجر ويردعهم أعظم ردع، وقد أطالوا المقال في هذا البحث بما لا يتم له المقام، وغالبه بل كله من الفضول الذي لا يأتي بنفع في دين ولا دنيا.
وقد حكى بعض المحققين أن أقوال المختلفين في الروح بلغت إلى ثمانية عشر مائة قول، فانظر إلى هذا الفضول الفارغ والتعب العاطل عن النفع، بعد أن علموا أن الله سبحانه قد استأثر بعلمه ولم يطلع عليه أنبياءه ولا أذن لهم بالسؤال عنه ولا البحث عن حقيقته فضلا عن أممهم المقتدين بهم، فيالله العجب حيث تبلغ أقوال أهل الفضول إلى هذا الحد الذي لم تبلغه ولا بعضه في غير هذه المسئلة مما أذن الله بالكلام فيه، ولم يستأثر بعلمه. ثم ختم سبحانه هذه الآية بقوله سبحانه (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) أي أن علمكم الذي علمكم الله، ليس إلا المقدار القليل بالنسبة إلى علم الخالق سبحانه، وإن أوتي حظا من العلم وافرا، بل علم الأنبياء عليهم السلام ليس هو بالنسبة إلى علم الله سبحانه إلا كما يأخذ الطائر في منقاره من البحر، كما في حديث موسى والخضر عليهما السلام.
وقد أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود قال (دلوك الشمس) غروبها، تقول العرب إذا غربت الشمس دلكت الشمس. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي قال: دلوكها غروبها. وأخر عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس، قال (لدلوك الشمس) لزوال الشمس، وأخرج البزار وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " دلوك الشمس زوالها " وضعف السيوطي إسناده، وأخرجه مالك في الموطأ وعبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر من قوله. وأخرج عبد الرزاق عنه قال: " دلوك الشمس زياغها بعد نصف النهار ". وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن ابن عباس قال: دلوكها زوالها. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عنه في قوله (لدلوك الشمس) قال: إذا فاء الفئ. وأخرج ابن جرير عن أبي مسعود وعقبة بن عمرو قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى