قوله (وإن كان أصحاب الأيكة) إن هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن المحذوف: أي وإن الشأن كان أصحاب الأيكة. والأيكة الغيضة، وهى جماع الشجر، والجمع الأيك. ويروى أن شجرهم كان دوما، وهو المقل، فالمعنى: وإن كان أصحاب الشجر المجتمع، وقيل الأيكة اسم القرية التي كانوا فيها. قال أبو عبيدة الأيكة: وليكة مدينتهم كمكة وبكة، وأصحاب الأيكة هم قوم شعيب، وقد تقدم خبرهم، واقتصر الله سبحانه هنا على وصفهم بالظلم، وقد فصل ذلك الظلم فيما سبق، والضمير في (وإنهما لبإمام مبين) يرجع إلى مدينة قوم لوط، ومكان أصحاب الأيكة: أي وإن المكانين لبطريق واضح، والإمام اسم لما يؤتم به، ومن جملة ذلك الطريق التي تسلك. قال الفراء والزجاج: سمى الطريق إماما لأنه يؤتم ويتبع. وقال ابن قتيبة: لأن المسافر يأتم به حتى يصل إلى الموضع الذي يريده، وقيل الضمير للأيكة ومدين لأن شعيبا كان ينسب إليهما. ثم إن الله سبحانه ختم القصص بقصة ثمود فقال (ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين) الحجر اسم لديار ثمود. قاله الأزهري، وهى ما بين مكة وتبوك. وقال ابن جرير: هي أرض بين الحجاز والشام. وقال: المرسلين، ولم يرسل إليهم إلا صالح، لأن من كذب واحدا من الرسل فقد كذب الباقين لكونهم متفقين في الدعوة إلى الله، وقيل كذبوا صالحا ومن تقدمه من الأنبياء، وقيل كذبوا صالحا ومن معه من المؤمنين (وآتيناهم آياتنا) أي الآيات المنزلة على نبيهم، ومن جملتها الناقة فإن فيها آيات جمة كخروجها من الصخرة ودنو نتاجها عند خروجها وعظمها وكثرة لبنها (فكانوا عنها معرضين) أي غير معتبرين، ولهذا عقروا الناقة وخالفوا ما أمرهم به نبيهم (وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا) النحت في كلام العرب: البري والنجر، نحته ينحته بالكسر نحتا: أي براه، وفى التنزيل - أتعبدون ما تنحتون - أي تنجرون، وكانوا يتخذون لأنفسهم من الجبال بيوتا: أي يخرقونها في الجبال، وانتصاب (آمنين) على الحال قال الفراء: آمنين من أن يقع عليهم، وقيل آمنين من الموت، وقيل من العذاب ركونا منهم على قوتها ووثاقتها (فأخذتهم الصيحة مصبحين) أي داخلين في وقت الصبح، وقد تقدم ذكر الصيحة في الأعراف وفى هود، وتقدم أيضا قريبا (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) أي لم يدفع عنهم شيئا من عذاب الله ما كانوا يكسبون من الأموال والحصون في الجبال (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق) أي متلبسة بالحق، وهو ما فيهما من الفوائد والمصالح، وقيل المراد بالحق مجازاة المحسن بإحسانه والمسئ بإساءته كما في قوله سبحانه - ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى - وقيل المراد بالحق الزوال لأنها مخلوقة وكل مخلوق زائل (وإن الساعة لآتية) وعند إتيانها ينتقم الله ممن يستحق العذاب، ويحسن إلى من يستحق الإحسان، وفيه وعيد للعصاة وتهديد، ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يصفح عن قومه، فقال (فاصفح الصفح الجميل) أي تجاوز عنهم واعف عفوا حسنا، وقيل فأعرض عنهم إعراضا جميلا ولا تعجل عليهم، وعاملهم معاملة الصفوح الحليم. قيل وهذا منسوخ بآية السيف (إن ربك هو الخلاق العليم) أي الخالق للخلق جميعا العليم بأحوالهم وبالصالح يكون والطالح منهم.
وقد أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إن مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيبا ". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: أصحاب الأيكة هم قوم شعيب، والأيكة ذات آجام وشجر كانوا فيها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الأيكة الغيضة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: أصحاب الأيكة أهل مدين، والأيكة الملتفة من الشجر. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال: الأيكة مجمع الشئ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم