يقال اعتره واعتراه وعره وعراه: إذا تعرض لما عنده أو طلبه، ذكره النحاس (كذلك سخرناها لكم) أي مثل ذلك التسخير البديع سخرناها لكم، فصارت تنقاد لكم إلى مواضع نحرها فتنحرونها حتى وتنتفعون بها بعد أن كانت مسخرة للحمل عليها والركوب على ظهرها والحلب لها ونحو ذلك (لعلكم تشكرون) هذه النعمة التي أنعم الله بها عليكم (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها) أي لن يصعد إليه ولا يبلغ رضاه ولا يقع موقع القبول منه لحوم هذه الإبل التي تتصدقون بها ولا دماؤها التي تنصب عند نحرها من حيث إنها لحوم ودماء (ولكن يناله) أي يبلغ إليه تقوى قلوبكم، ويصل إليه إخلاصكم له وإرادتكم بذلك وجهه، فإن ذلك هو الذي يقبله الله ويجازي عليه. وقيل المراد أصحاب اللحوم والدماء: أي لن يرضى المضحون والمتقربون إلى ربهم باللحوم والدماء ولكن بالتقوى. قال الزجاج: أعلم الله أن الذي يصل إليه تقواه وطاعته فيما يأمر به، وحقيقة معنى هذا الكلام تعود إلى القبول، وذلك أن ما يقبله الإنسان يقال قد ناله ووصل إليه، فخاطب الله الخلق كعادتهم في مخاطبتهم (كذلك سخرها لكم) كرر هذا للتذكير، ومعنى (لتكبروا الله على ما هداكم) هو قول الناحر: الله أكبر عند النحر، فذكر في الآية الأولى الأمر بذكر اسم الله عليها، وذكر هنا التكبير للدلالة على مشروعية الجمع بين التسمية والتكبير. وقيل المراد بالتكبير وصفه سبحانه بما يدل على الكبرياء، ومعنى (على ما هداكم) على ما أرشدكم إليه من علمكم بكيفية التقرب بها، وما مصدرية، أو موصولة (وبشر المحسنين) قيل المراد بهم المخلصون، وقيل الموحدون. والظاهر أن المراد بهم كل من يصدر منه من الخير ما يصح به إطلاق اسم المحسن عليه.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عبد الله بن عمر قال: لا نعلم البدن إلا من الإبل والبقر. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: البدن ذات الجوف. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: ليس البدن إلا من الإبل، وأخرجوا عن الحكم نحوه، وأخرجوا عن عطاء نحو ما قال ابن عمر. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن نحوه أيضا. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن يعقوب الرباحي عن أبيه قال: أوصى إلى رجل، وأوصى ببدنة، فأتيت ابن عباس فقلت له: إن رجلا أوصى إلى وأوصى ببدنة، فهل تجزئ عنى بقرة؟ قال نعم، ثم قال: ممن صاحبكم؟ فقلت من بنى رباح، فقال: ومتى اقتنى بنو رباح البقر إلا الإبل؟ وهم صاحبكم، إنما البقر للأسد وعبد القيس. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في الأضاحي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أبي ظبيان قال:
سألت ابن عباس عن قوله (فاذكروا اسم الله عليه صواف) قال: إذا أردت أن تنحر البدنة فأقمها على ثلاث قوائم معقولة، ثم قل بسم الله والله أكبر. وأخرج الفريابي وأبو عبيد وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله (صواف) قال: قياما معقولة، وفى الصحيحين وغيرهما عنه أنه رأى رجلا قد أناخ بدنته وهو ينحرها، فقال: ابعثها قياما مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج أبو عبيدة وعبد بن حميد وابن المنذر عن ميمون بن مهران قال: في قراءة ابن مسعود " صوافن " يعنى قياما. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (فإذا وجبت) قال: سقطت على جنبها. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال نحرت. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال (القانع) المتعفف (والمعتر) السائل. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال القانع الذي يقنع بما آتيته. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: القانع الذي يقنع بما أوتى، والمعتر الذي يعترض. وأخرج عنه أيضا قال: القانع الذي يجلس في بيته. وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في سننه عنه أنه سئل عن هذه الآية، فقال: أما القانع فالقانع بما أرسلت إليه في بيته، والمعتر الذي يعتريك: