سورة المؤمنون الآية (36 - 41) لما ذكر سبحانه الفلك أتبعه بذكر نوح، لأنه أول من صنعه، وذكر ما صنعه قوم نوح معه بسبب إهمالهم للتفكر في مخلوقات الله سبحانه والتذكر لنعمه عليهم فقال (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه) وفى ذلك تعزية (لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتسلية له ببيان أن قوم غيره من الأنبياء كانوا يصنعون مع أنبيائهم ما يصنعه قومه معه، واللام جواب قسم محذوف (فقال يا قوم اعبدوا الله) أي اعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئا كما يستفاد من الآيات الآخرة، وجملة (ما لكم من إله غيره) واقعة موقع التعليل لما قبلها، وارتفاع غيره لكونه وصفا لإله على المحل، لأنه مبتدأ خبره لكم: أي ما لكم في الوجود إله غيره سبحانه، وقرئ بالجر اعتبارا بلفظ إله (أفلا تتقون) أي أفلا تخافون أن تتركوا عبادة ربكم الذي لا يستحق العبادة غيره، وليس لكم إله سواه. وقيل المعنى: أفلا تخافون أن يرفع عنكم ما خولكم من النعم ويسلبها عنكم. وقيل المعنى: أفلا تقون أنفسكم عذابه الذي تقتضيه ذنوبكم (فقال الملأ الذين كفروا من قومه) أي قال أشراف قومه الذين كفروا به (ما هذا إلا بشر مثلكم) أي من جنسكم في البشرية، لا فرق بينكم وبينه (يريد أن يتفضل عليكم) أي يطلب الفضل عليكم بأن يسودكم حتى تكونوا تابعين له منقادين لأمره، ثم صرحوا بأن البشر لا يكون رسولا فقالوا (ولو شاء الله لأنزل ملائكة) أي لو شاء الله إرسال رسول لأرسل ملائكة، وإنما عبر بالإنزال عن الإرسال لأن إرسالهم إلى العباد يستلزم نزولهم إليهم (ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين) أي بمثل دعوى هذا المدعي للنبوة من البشر، أو بمثل كلامه، وهو الأمر بعبادة الله وحده أو ما سمعنا ببشر يدعي هذه الدعوى في آبائنا الأولين: أي في الأمم الماضية قبل هذا. وقيل الباء في بهذا زائدة:
أي ما سمعنا هذا كائنا في الماضين، قالوا هذا اعتمادا منهم على التقليد واعتصاما بحبله، ولم يقنعوا بذلك حتى ضموا إليه الكذب البحت، والبهت الصراح فقالوا (إن هو إلا رجل به جنة) أي جنون لا يدري ما يقول (فتربصوا به حتى حين) أي انتظروا به حتى يستبين أمره، بأن يفيق من جنونه فيترك هذه الدعوى، أو حتى يموت فتستريحوا منه. قال الفراء: ليس يريد بالحين هنا وقتا بعينه إنما هو كقولهم: دعه إلى يوم ما، فلما سمع عليه الصلاة والسلام كلامهم وعرف تماديهم على الكفر وإصرارهم عليه (قال رب انصرني) عليهم فانتقم منهم بما تشاء وكيف تريد، والباء في (بما كذبون) للسببية: أي بسبب تكذيبهم إياي (فأوحينا إليه) عند ذلك أي أرسلنا إليه رسولا من السماء (أن اصنع الفلك) وأن هي مفسرة لما في الوحي من معنى القول (بأعيننا) أي متلبسا بحفظنا وكلاءتنا، وقد تقدم بيان هذا في هود. ومعنى (ووحينا) أمرنا لك وتعليمنا إياك لكيفية صنعها، والفاء في قوله (فإذا جاء أمرنا) لترتيب ما بعدها على ما قبلها من صنع الفلك، والمراد بالأمر العذاب (وفار التنور) معطوف على الجملة التي قبله عطف النسق، وقيل عطف البيان: أي إن مجئ الأمر هو فور التنور: أي تنور آدم الصائر إلى نوح: أي إذا وقع ذلك (فاسلك فيها من كل زوجين اثنين) أي دخل فيها، يقال سلكه في كذا أدخله، وأسلكته أدخلته. قرأ حفص " من كل " بالتنوين، وقرأ الباقون بالإضافة، ومعنى القراءة الأولى من كل أمة