كونه دهنا يدهن به. وكونه صبغا يؤتدم به. قرأ الجمهور " صبغ " وقرأ قوم " صباغ " مثل لبس ولباس، وكل إدام يؤتدم به فهو صبغ وصباغ، وأصل الصبغ ما يلون به الثوب، وشبه الإدام به لأن الخبز يكون بالإدام كالمصبوغ به (وإن لكم في الأنعام لعبرة) هذه من جملة النعم التي أمتن الله بها عليهم، وقد تقدم تفسير الأنعام في سورة النحل. قال النيسابوري في تفسيره: ولعل القصد بالأنعام هنا إلى الإبل خاصة لأنها هي المحمول عليها في العادة، ولأنه قرنها بالفلك وهى سفائن البر، كما أن الفلك سفائن البحر. وبين سبحانه أنها عبرة، لأنها مما يستدل بخلقها وأفعالها على عظيم القدرة الإلهية، ثم فصل سبحانه ما في هذه الأنعام من النعم بعد ما ذكره من العبرة فيها للعباد فقال (نسقيكم مما في بطونها) يعنى سبحانه: اللبن المتكون في بطونها المنصب إلى ضروعها، فإن في انعقاد ما تأكله من العلف واستحالته إلى هذا الغذاء اللذيذ، والمشروب النفيس أعظم عبرة للمعتبرين، وأكبر موعظة للمتعظين.
قرئ " نسقيكم " بالنون على أن الفاعل هو الله سبحانه، وقرئ بالتاء الفوقية على أن الفاعل هو الأنعام، ثم ذكر ما فيها من المنافع إجمالا فقال (ولكم فيها منافع كثيرة) يعنى في ظهورها وألبانها وأولادها وأصوافها وأشعارها، ثم ذكر منفعة خاصة فقال (ومنها تأكلون) لما في الأكل من عظيم الانتفاع لهم، وكذلك ذكر الركوب عليها لما فيه من المنفعة العظيمة فقال (وعليها وعلى الفلك تحملون) أي وعلى الأنعام، فإن أريد بالأنعام الإبل والبقر والغنم، فالمراد وعلى بعض الأنعام، وهى الإبل خاصة، وإن أريد بالأنعام الإبل خاصة، فالمعنى واضح. ثم لما كانت الأنعام هي غالب ما يكون الركوب عليه في البر ضم إليها ما يكون الركوب عليه في البحر، فقال (وعلى الفلك تحملون) تميما للنعمة وتكميلا للمنة.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: السلالة صفو الماء الرقيق الذي يكون منه الولد. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: إن النطفة إذا وقعت في الرحم طارت في شعر وظفر فتمكث أربعين يوما، ثم تنحدر في الرحم فتكون علقة. وللتابعين في تفسير السلالة أقوال قد قدمنا الإشارة إليها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس (ثم أنشأناه خلقا آخر) قال: الشعر والأسنان. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه (ثم أنشأناه خلقا آخر) قال: نفخ فيه الروح، وكذا قال مجاهد وعكرمة والشعبي والحسن وأبو العالية والربيع بن أنس والسدي والضحاك وابن زيد، واختاره ابن جرير. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد (ثم أنشأناه خلقا آخر) قال: حين استوى به الشباب. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن صالح أبى الخليل قال: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى قوله (ثم أنشأناه خلقا آخر) قال عمر (فتبارك الله أحسن الخالقين) قال: والذي نفسي بيده إنها ختمت بالذي تكلمت به يا عمر. وأخرج الطيالسي وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في أربع، قلت: يا رسول الله لو صلينا خلف المقام؟ فأنزل الله " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " وقلت: يا رسول الله لو اتخذت على نسائك حجابا فإنه يدخل عليك البر والفاجر، فأنزل الله " وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب " وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لتنتهن أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن، فنزلت - عسى ربه إن طلقكن - الآية، ونزلت (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة) إلى قوله (ثم أنشأناه خلقا آخر) فقلت أنا (فتبارك الله أحسن الخالقين) ". وأخرج ابن راهويه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال: أملى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية (ولقد خلقنا الإنسان) إلى قوله (خلقا آخر) فقال معاذ بن جبل (فتبارك الله أحسن الخالقين) فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،