فجاءت به عضب الأديم غضنفرا * سلالة فرج كان غير حصين وقول الآخر: وهل هند إلا مهرة عربية * سلالة أفراس تحللها بغل و " من " في (من سلالة) ابتدائية متعلقة بخلقنا، وفى (من طين) بيانية متعلقة بمحذوف، وقع صفة لسلالة: أي كائنة من طين، والمعنى: أنه سبحانه خلق جوهر الإنسان أولا من طين، لأن الأصل آدم، وهو من طين خالص وأولاده من طين ومني. وقيل السلالة: الطين إذا عصرته انسل من بين أصابعك، فالذي يخرج هو السلالة، قاله الكلبي (ثم جعلناه) أي الجنس باعتبار أفراده الذين هم بنو آدم، أو جعلنا نسله على حذف مضاف إن أريد بالإنسان آدم (نطفة) وقد تقدم تفسير النطفة في سورة الحج، وكذلك تفسير العلقة والمضغة. والمراد بالقرآن المكين: الرحم، وعبر عنها بالقرار الذي هو مصدر مبالغة، ومعنى (ثم خلقنا النطفة علقة) أي أنه سبحانه أحال النطفة البيضاء علقة حمراء (فخلقنا العلقة مضغة) أي قطعة لحم غير مخلقة (فخلقنا المضغة عظاما) أي جعلها الله سبحانه متصلبة لتكون عمودا للبدن على أشكال مخصوصة (فكسونا العظام لحما) أي أنيت الله سبحانه على كل عظم لحما على المقدار الذي يليق به ويناسبه (ثم أنشأناه خلقا آخر) أي نفخنا فيه الروح بعد أن كان جمادا، وقيل أخرجناه إلى الدنيا، وقيل هو نبات الشعر، وقيل خروج الأسنان، وقيل تكميل القوى المخلوقة فيه، ولا مانع من إرادة الجميع، والمجئ بثم لكمال التفاوت بين الخلقين (فتبارك الله أحسن الخالقين) أي استحق التعظيم والثناء.
وقيل مأخوذ من البركة: أي كثر خيره وبركته: والخلق في اللغة التقدير، يقال خلقت الأديم: إذا قسته لتقطع منه شيئا، فمعنى أحسن الخالقين: أتقن الصانعين المقدرين، ومنه قول الشاعر:
ولأنت تفرى ما خلقت وبعض * القوم يخلق ثم لا يفرى (ثم إنكم بعد ذلك لميتون) الإشارة بقوله " ذلك " إلى الأمور المتقدمة: أي ثم إنكم بعد تلك الأمور لميتون صائرون إلى الموت لا محالة (ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) من قبوركم إلى المحشر للحساب والعقاب. واللام في (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق) جواب لقسم محذوف، والجملة مبتدأة مشتملة على بيان خلق ما يحتاجون إليه بعد بيان خلقهم، والطرائق هي السماوات. قال الخليلي والفراء والزجاج، سميت طرائق لأنه طورق بعضها فوق بعض كمطارقة النعل. قال أبو عبيدة: طارقت الشئ جعلت بعضه فوق بعض، والعرب تسمي كل شئ فوق شئ طريقة. وقيل لأنها طرائق الملائكة، وقيل لأنها طرائق الكواكب (وما كنا عن الخلق غافلين) المراد بالخلق هنا المخلوق: أي وما كنا عن هذه السبع الطرائق وحفظها عن أن تقع على الأرض بغافلين. وقال أكثر المفسرين:
المراد الخلق كلهم بغافلين بل حفظنا السماوات عن أن تسقط، وحفظنا من في الأرض أن تسقط السماء عليهم فتهلكهم أو تميد بهم الأرض، أو يهلكون بسبب من الأسباب المستأصلة لهم، ويجوز أن يراد نفي الغفلة عن القيام بمصالحهم وما يعيشون به، ونفى الغفلة عن حفظهم (وأنزلنا من السماء ماء) هذا من جملة ما أمتن الله سبحانه به على خلقه، والمراد بالماء ماء المطر، فإن به حياة الأرض وما فيها من الحيوان، ومن جملة ذلك ماء الأنهار النازلة من السماء والعيون. والآبار المستخرجة من الأرض، فإن أصلها من ماء السماء. وقيل أراد سبحانه في هذه الآية الأنهار الأربعة: سيحان، وجيحان، والفرات، والنيل، ولا وجه لهذا التخصيص. وقيل المراد به الماء العذب، ولا وجه لذلك أيضا فليس في الأرض ماء إلا وهو من السماء، ومعنى (بقدر) بتقدير منا أو بمقدار يكون به صلاح الزرائع والثمار. فإنه لو كثر لكان به هلاك ذلك، ومثله قوله سبحانه " وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله