(إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم ويبشر) بالتخفيف. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير) يعنى قول الإنسان: اللهم العنه واغضب عليه. وأخرج ابن جرير عنه في قوله (وكان الإنسان عجولا) قال: ضجرا لا صبر له على سراء ولا ضراء. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن سلمان الفارسي قال: أول ما خلق الله من آدم رأسه، فجعل ينظر وهو يخلق وبقيت رجلاه، فلما كان بعد العصر قال: يا رب أعجل قبل الليل، فذلك قوله (وكان الإنسان عجولا).
سورة الإسراء الآية (12 - 17).
لما ذكر سبحانه دلائل النبوة والتوحيد أكدها بدليل آخر من عجائب صنعه وبدائع خلقه فقال (وجعلنا الليل والنهار آيتين) وذلك لما فيهما من الإظلام والإنارة مع تعاقبهما وسائر ما اشتملا عليه من العجائب التي تحار في وصفها الأفهام، ومعنى كونهما آيتين أنهما يدلان على وجود الصانع وقدرته، وقدم الليل على النهار لكونه الأصل (فمحونا آية الليل) أي طمسنا نورها، وقد كان القمر كالشمس في الإنارة والضوء. قيل ومن آثار المحو السواد الذي يرى في القمر، وقيل المراد بمحوها أنه سبحانه خلقها ممحوة الضوء مطموسة، وليس المراد أنه محاها بعد أن لم تكن كذلك (وجعلنا آية النهار مبصرة) أي جعل سبحانه شمسه مضيئة تبصر فيها الأشياء. قال أبو عمرو ابن العلاء والكسائي: هو من قول العرب: أبصر النهار: إذا صار بحالة يبصر بها، وقيل مبصرة للناس من قوله أبصره فبصر. فالأول وصف لها بحال أهلها، والثاني وصف لها بحال نفسها، وإضافة آية إلى الليل والنهار بيانية: أي فمحونا الآية التي هي الليل والآية التي هي النهار كقولهم نفس الشئ وذاته (لتبتغوا فضلا من ربكم) أي لتتوصلوا ببياض النهار إلى التصرف في وجوه المعاش، واللام متعلق بقوله وجعلنا آية النهار مبصرة: أي جعلناها لتبتغوا فضلا من ربكم: أي رزقا، إذ غالب تحصيل الأرزاق وقضاء الحوائج يكون بالنهار، ولم يذكر هنا السكون في الليل اكتفاء بما قاله في موضع آخر - وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا - ثم ذكر مصلحة أخرى في ذلك الجعل فقال (ولتعلموا عدد السنين والحساب) وهذا متعلق بالفعلين جميعا: أعني محونا آية الليل وجعلنا