ويهلك العصاة ويأتي بمن يطيعه من خلقه، والمقام يحتمل أن يكون هذا الخلق الجديد من نوع الإنسان، ويحتمل أن يكون من نوع آخر (وما ذلك على الله بعزيز) أي بممتنع، لأنه سبحانه قادر على كل شئ، وفيه أن الله تعالى هو الحقيق بأن يرجى ثوابه ويخاف عقابه، فلذلك أتبعه بذكر أحوال الآخرة فقال (وبرزوا لله جميعا) أي برزوا من قبورهم يوم القيامة، والبروز الظهور، والبراز المكان الواسع لظهوره، ومنه امرأة برزة: أي تظهر للرجال، فمعنى برزوا ظهروا من قبورهم. وعبر بالماضي عن المستقبل تنبيها على تحقيق وقوعه كما هو مقرر في علم المعاني، وإنما قال: وبرزوا لله مع كونه سبحانه عالما بهم لا تخفى عليه خافية من أحوالهم برزوا أو لم يبرزوا، لأنهم كانوا يستترون عن العيون عند فعلهم للمعاصي ويظنون أن ذلك يخفى على الله تعالى، فالكلام خارج على ما يعتقدونه (فقال الضعفاء للذين استكبروا) أي قال الأتباع الضعفاء للرؤساء الأقوياء المتكبرين لما هم فيه من الرياسة (إنا كنا لكم تبعا) أي في الدنيا، فكذبنا الرسل وكفرنا بالله متابعة لكم، والتبع جمع تابع، أو مصدر وصف به للمبالغة أو على تقدير ذوي تبع، قال الزجاج: جمعهم في حشرهم فاجتمع التابع والمتبوع، فقال الضعفاء للذين استكبروا من أكابرهم عن عبادة الله إنا كنا لكم تبعا جمع تابع مثل خادم وخدم وحارس وحرس وراصد ورصد (فهل أنتم مغنون عنا) أي دافعون عنا من عذاب الله من شئ، من الأولى للبيان، والثانية للتبعيض: أي بعض الشئ الذي هو عذاب الله، يقال أغنى عنه إذا دفع عنه الأذى، وأغناه إذا أوصل إليه النفع (قالوا لو هدانا الله لهديناكم) أي قال المستكبرون مجيبين عن قول المستضعفين، والجملة مستأنفة بتقدير سؤال كأنه قيل كيف أجابوا؟ أي لو هدانا الله إلى الإيمان لهديناكم إليه، وقيل لو هدانا الله إلى طريق الجنة لهديناكم إليها، وقيل: لو نجانا فإن الله من العذاب لنجيناكم منه (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيض) أي مستو علينا الجزع والصبر، والهمزة وأم لتأكيد التسوية كما في قوله - سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم - (ما لنا من محيص) أي من منجا ومهرب من العذاب، يقال: حاص فلان عن كذا: أي فر وزاغ يحيص حيصا وحيوصا وحيصانا، والمعنى: ما لنا وجه نتباعد به عن النار. ويجوز أن يكون هذا من كلام الفريقين. وإن كان الظاهر أنه من كلام المستكبرين (وقال الشيطان لما قضى الأمر) أي قال للفريقين هذه المقالة، ومعنى لما قضى الأمر: لما دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار على ما يأتي بيانه في سورة مريم (إن الله وعدكم وعد الحق) وهو وعده سبحانه بالبعث والحساب، ومجازاة المحسن بإحسانه والمسئ بإساءته (ووعدتكم فأخلفتكم) أي وعدتكم وعدا باطلا. بأنه لا بعث ولا حساب ولا جنة ولا نار فأخلفتكم ما وعدتكم به من ذلك. قال الفراء: وعد الحق هو من إضافة الشئ إلى نفسه كقولهم: مسجد الجامع وقال البصريون: وعدكم وعد اليوم الحق (وما كان لي عليكم من سلطان) أي تسلط عليكم باظهار حجة على ما وعدتكم به وزينته لكم (إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي) أي إلا مجرد دعائي لكم إلى الغواية والضلال بلا حجة ولا برهان، ودعوته إياهم ليست من جنس السلطان حتى تستثنى منه، بل الاستثناء منقطع: أي لكن دعوتكم فاستجبتم لي:
أي فسارعتم إلى إجابتي، وقيل المراد بالسلطان هنا القهر: أي ما كان لي عليكم من قهر يضطركم النبي إلى إجابتي، وقيل هذا الاستثناء هو من باب * تحية بينهم ضرب وجيع * مبالغة في نفيه للسلطان عن نفسه كأنه قال: إنما يكون لي عليكم سلطان إذا كان مجرد الدعاء من السلطان، وليس منه قطعا (فلا تلوموني) بما وقعتم فيه بسبب وعدي لكم بالباطل وإخلافى لهذا الموعد (ولوموا أنفسكم) باستجابتكم كما لي بمجرد الدعوة التي لا سلطان عليها ولا حجة، فإن من قبل المواعيد الباطلة والدعاوى الزائغة عن طريق الحق فعلى نفسه جنى، ولمارنه قطع ولا سيما ودعوتي هذه الباطلة وموعدي الفاسد وقعا معارضين لوعد الله لكم وعد الحق ودعوته لكم إلى الدار السلام مع قيام الحجة