ضغث، وهو كل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما، والمعنى: أخاليط أحلام، والأحلام جمع حلم: وهى الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها كما يكون من حديث النفس ووسواس الشيطان، والإضافة بمعنى من، وجمعوا الأحلام ولم يكن من الملك إلا رؤيا واحدة مبالغة منهم في وصفها بالبطلان. ويجوز أن يكون رأى مع هذه الرؤيا غيرها مما لم يقصه الله علينا (وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين) قال الزجاج: المعنى بتأويل الأحلام المختلطة، نفوا عن أنفسهم علم ما لا تأويل له، لا مطلق العلم بالتأويل، وقيل إنهم نفوا عن أنفسهم علم التعبير مطلقا، ولم يدعوا أنه لا تأويل لهذه الرؤيا، وقيل إنهم قصدوا محوها من صدر الملك حتى لا يشتغل بها، ولم يكن ما ذكروه من نفى العلم حقيقة (وقال الذي نجا منهما) أي من الغلامين، وهو الساقي الذي قال له يوسف - اذكرني عند ربك - (وادكر بعد أمة) بالدال المهملة على قراءة الجمهور، وهى القراءة الفصيحة: أي تذكر الساقي يوسف وما شاهده منه من العلم بتعبير الرؤيا. وقرئ بالمعجمة، ومعنى (بعد أمة): بعد حين، ومنه - إلى أمة معدودة - أي إلى وقت. قال ابن درستويه: والأمة لا تكون على الحين إلا على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، كأنه قال: والله أعلم وادكر بعد حين أمة أو بعد زمن أمة. والأمة: الجماعة الكثيرة من الناس. قال الأخفش: هو في اللفظ واحد وفي المعنى جمع، وكل جنس من الحيوان أمة. وقرأ ابن عباس وعكرمة " بعد أمة " بفتح الهمزة وتخفيف الميم: أي بعد نسيان، ومنه قول الشاعر:
أممت وكنت لا أنسى حديثا * كذاك الدهر يودى بالعقول ويقال أمه يأمه أمها: إذا نسي. وقرأ الأشهب العقيلي " بعد إمة " بكسر الهمزة: أي بعد نعمة: وهى نعمة النجاة (أنا أنبئكم بتأويله) أي أخبركم به بسؤالي عنه من له علم بتأويله، وهو يوسف (فأرسلون) خاطب الملك بلفظ التعظيم، أو خاطبه ومن كان عنده من الملأ، طلب منهم أن يرسلوه إلى يوسف ليقص عليه رؤيا الملك حتى يخبره بتأويلها فيعود بذلك إلى الملك (يوسف أيها الصديق أفتنا) أي يا يوسف، وفي الكلام حذف، والتقدير:
فأرسلوه إلى يوسف فسار إليه، فقال له " يوسف أيها الصديق " إلى آخر الكلام، والمعنى: أخبرنا في رؤيا من رأى سبع بقرات الخ وترك ذكر ذلك اكتفاء بما هو واثق به من فهم يوسف بأن ذلك رؤيا، وأن المطلوب منه تعبيرها (لعلى أرجع إلى الناس) أي إلى الملك ومن عنده من الملأ (لعلهم يعلمون) ما تأتي به من تأويل هذه الرؤيا أو يعلمون فضلك ومعرفتك لفن التعبير، وجملة (قال تزرعون) الخ مستأنفة جواب سؤال مقدر كغيرها مما يرد هذا المورد (سبع سنين دأبا) أي متوالية متتابعة، وهو مصدر، وقيل هو حال: أي دائبين، وقيل صفة لسبع:
أي دائبة، وحكى أبو حاتم عن يعقوب أنه قرأ (دأبا) بتحريك الهمزة، وكذا روى حفص عن عاصم وهما لغتان قال الفراء: حرك لأن فيه حرفا من حروف الحلق. وكذلك كل حرف فتح أوله وسكن ثانيه فتثقيله جائز في كلمات معروفة. فعبر يوسف عليه السلام السبع البقرات السمان بسبع سنين فيها خصب، والعجاف بسبع سنين فيها جدب وهكذا عبر السبع السنبلات الخضر والسبع السنبلات اليابسات، واستدل بالسبع السنبلات الخضر على ما ذكره في التعبير من قوله (فما حصدتم فذروه في سنبله) أي ما حصدتم في كل سنة من السنين المخصبة فذروا ذلك المحصود في سنبله ولا تفصلوه عنها لئلا يأكله السوس إلا قليلا مما تأكلون في هذه السنين المخصبة فإنه لا بد لكم من فصله عن سنبله وإخراجه عنها، واقتصر على استثناء المأكول دون ما يحتاجون إليه من البذر الذي يبذرونه في أموالهم لأنه قد علم من قوله تزرعون (ثم يأتي من بعد ذلك) أي من بعد السبع السنين المخصبة (سبع شداد) أي سبع سنين مجدبة يصعب أمرها على الناس (يأكلن ما قدمتم لهن) من تلك الحبوب المتروكة في سنابلها، وإسناد الأكل إلى