آمن بهم فغلب الرسل على أتباعهم (فأوحى إليهم ربهم) أي إلى الرسل (لنهلكن الظالمين) أي قال لهم: لنهلكن الظالمين (ولنسكننكم الأرض) أي أرض هؤلاء الكفار الذين توعدوكم بما توعدوا من الإخراج أو العود، ومثل هذه الآية قوله سبحانه - وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها -، وقال - وأورثكم أرضهم وديارهم -. وقرئ ليهلكن وليسكننكم بالتحتية في الفعلين اعتبارا بقوله فأوحى، والإشارة بقوله (ذلك) إلى ما تقدم من إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين في مساكنهم (لمن خاف مقامي) أي موقفي، وذلك يوم الحساب، فإنه موقف الله سبحانه، والمقام بفتح الميم مكان الإقامة، وبالضم فعل الإقامة: وقيل إن المقام هنا مصدر بمعنى القيام: أي لمن خاف قيامي عليه ومراقبتي له كقوله تعالى - أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت - وقال الأخفش: ذلك لمن خاف مقامي: أي عذابي (وخاف وعيد) أي خاف وعيدي بالعذاب، وقيل بالقرآن وزواجره، وقيل هو نفس العذاب، والوعيد الاسم من الوعد (واستفتحوا) معطوف على أوحى، والمعنى:
أنهم استنصروا بالله على أعدائهم، أو سألوا الله القضاء بينهم، من الفتاحة وهى الحكومة، ومن المعنى الأول قوله - إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح - أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر، ومن المعنى الثاني قوله - ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق - أي احكم، والضمير في استفتحوا للرسل، وقيل للكفار، وقيل للفريقين (وخاب كل جبار عنيد) الجبار المتكبر الذي لا يرى لأحد عليه حقا، هكذا حكاه النحاس عن أهل اللغة، والعنيد المعاند للحق والمجانب له، وهو مأخوذ من العند، وهو الناحية أي أخذ في ناحية معرضا. قال الشاعر:
إذا نزلت فاجعلوني وسطا * إني كبير لا أطيق العندا قال الزجاج: العنيد الذي يعدل عن القصد، وبمثله قال الهروي. وقال أبو عبيد: هو الذي عند وبغى، وقال بن كيسان: هو الشامخ بأنفه، وقيل المراد به العاصي، وقيل الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله، ومعنى الآية: أنه خسر وهلك من كان متصفا بهذه الصفة (من ورائه جهنم) أي من بعده جهنم، والمراد بعد هلاكه على أن وراء ها هنا بمعنى بعد، ومنه قول النابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة * وليس وراء الله للمرء مذهب أي ليس بعد الله، ومثله قوله (ومن ورائه عذاب غليظ) أي من بعده. كذا قال الفراء، وقيل من ورائه:
أي من أمامه. قال أبو عبيد: هو من أسماء الأضداد، لأن أحدهما ينقلب إلى الآخر، ومنه قول الشاعر:
ومن ورائك يوم أنت بالغه * لا حاضر معجز عنه ولا بادي وقال آخر: أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي * وقومي تميم والفلاة ورائيا أي أمامي، ومنه قوله تعالى - وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا - أي أمامهم، وبقول أبي عبيدة هذا قال قطرب. وقال الأخفش: هو كما يقال: هذا الأمر من ورائك: أي سوف يأتيك، وأنا من وراء فلان أي في طلبه. وقال النحاس: من ورائه: أي من أمامه، وليس من الأضداد، ولكنه من توارى: أي استتر فصارت جهنم من ورائه، لأنها لا ترى، وحكى مثله ابن الأنباري (ويسقى من ماء صديد) معطوف على مقدر جوابا عن سؤال سائل، كأنه قيل فماذا يكون إذن؟ قيل يلقي فيها ويسقى، والصديد ما يسيل من جلود أهل النار واشتقاقه من الصد. لأنه يصد الناظرين عن رؤيته، وهو دم مختلط بقيح، والصديد صفة لماء، وقيل عطف بيان منه (ويتجرعه في محل على أنه صفة لماء. أو في محل نصب على أنه حال، وقيل هو استئناف مبني على سؤال، والتجرع التحسي: أي يتحساه مرة بعد مرة لا مرة واحدة لمرارته وحرارته (ولا يكاد يسيغه) أي