الصلاة: أي وأقم قرآن الفجر، قاله الفراء. وقال الزجاج والبصريون: انتصابه على الإغراء: أي فعليك قرآن الفجر. قال المفسرون: المراد بقرآن الفجر صلاة الصبح. قال الزجاج: وفى هذه فائدة عظيمة تدل على أن الصلاة لا تكون إلا بقراءة حتى سميت الصلاة قرآنا، وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، وفى بعض الأحاديث الخارجة من مخرج حسن وقرآن معها، وورد ما يدل على وجوب الفاتحة في كل ركعة، وقد حررته في مؤلفاتي تحريرا مجودا، ثم علل سبحانه ذلك بقوله (إن قرآن الفجر كان مشهودا) أي تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار كما ورد ذلك في الحديث الصحيح، وبذلك قال جمهور المفسرين (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) من للتبعيض، وانتصابه على الظرفية بمضمر: أي قم بعض الليل فتهجد به، والضمير المجرور راجع إلى القرآن وما قيل من أنه منتصب على الإغراء، والتقدير عليك بعض الليل فبعيد جدا، والتهجد مأخوذ من الهجود. قال أبو عبيدة وابن الأعرابي: هو من الأضداد، لأنه يقال هجد الرجل: إذا نام، وهجد إذا سهر فمن استعماله في السهر قول الشاعر:
ألا زارت وأهل منى هجود * فليت خيالها بمنى يعود يعني منتبهين، ومن استعماله في النوم قول الآخر:
ألا طرقتنا والرفاق هجود * فباتت بعلات النوال تجود يعني نياما. وقال الأزهري: الهجود في الأصل هو النوم بالليل، ولكن جاء التفعل فيه لأجل التجنب ومنه تأثم وتحرج: أي تجنب الإثم والحرج، فالمتهجد من تجنب الهجود، فقام بالليل. وروى عن الأزهري أيضا أنه قال:
المتهجد القائم إلى الصلاة من النوم هكذا حكى عنه الواحدي، فقيد التهجد بالقيام من النوم، وهكذا قال مجاهد وعلقمة والأسود فقالوا: التهجد بعد النوم. قال الليث: تهجد إذا استيقظ للصلاة (نافلة لك) معنى النافلة في اللغة الزيادة على الأصل، فالمعنى أنها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم نافلة زائدة على الفرائض، والأمر بالتهجد وإن كان ظاهره الوجوب لكن التصريح بكونه نافلة قرينة صارفة للأمر، وقيل المراد بالنافلة هنا أنها فريضة زائدة على الفرائض الخمس في حقه صلى الله عليه وآله وسلم، ويدفع ذلك التصريح بلفظ النافلة، وقيل كانت صلاة الليل فريضة في حقه صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نسخ الوجوب فصار قيام الليل تطوعا، وعلى هذا يحمل ما ورد في الحديث أنها عليه فريضة، ولأمته تطوع. قال الواحدي: إن صلاة الليل كانت زيادة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة لرفع الدرجات، لا للكفارات، لأنه غفر له من ذنبه ما تقدم وما تأخر، وليس لنا بنافلة لكثرة ذنوبنا إنما نعمل لكفارتها، قال: وهو قول جميع المفسرين. والحاصل أن الخطاب في هذه الآية وإن كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله أقم الصلاة، فالأمر له أمر لأمته، فهو شرع عام، ومن ذلك الترغيب في صلاة الليل، فإنه يعم جميع الأمة، والتصريح بكونه نافلة يدل على عدم الوجوب، فالتهجد من الليل مندوب إليه ومشروع لكل مكلف. ثم وعده سبحانه على إقامة الفرائض والنوافل فقال (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) قد ذكرنا في مواضع أن عسى من الكريم إطماع واجب الوقوع، وانتصاب مقاما على الظرفية بإضمار فعل، أو بتضمين البعث معنى الإقامة، ويجوز أن يكون انتصابه على الحال: أي يبعثك ذا مقام محمود، ومعنى كون المقام محمودا: أنه يحمده كل من علم به. وقد اختلف في تعيين هذا المقام على أقوال: الأول أنه المقام الذي يقومه النبي صلى الله عليه وآله وسلم للشفاعة يوم القيامة للناس ليريحهم ربهم سبحانه مما هو فيه، وهذا القول هو الذي دلت عليه الأدلة الصحيحة في تفسير الآية، وحكاه ابن جرير عن أكثر أهل التأويل قال الواحدي: وإجماع