سورة طه الآية (86 - 91) هذا شروع في إنجاء بني إسرائيل وإهلاك عدوهم وقد تقدم في البقرة، وفى الأعراف. وفى يونس، واللام في لقد هي الموطئة للقسم، وفى ذلك من التأكيد ما لا يخفى، و (أن) في أن أسر بعبادي، إما المفسرة لأن في الوحي معنى القول، أو مصدرية: أي بأن أسر أي أسر بهم من مصر. وقد تقدم هذا مستوفى (فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا) أي اجعل لهم طريقا، ومعنى يبسا يابسا وصف به الفاعل مبالغة، وذلك أن الله تعالى أيبس لهم تلك الطريق حتى لم يكن فيها ماء ولا طين. وقرئ " يبسا " بسكون الباء على أنه مخفف من يبسا المحرك، أو وجمع يابس كصحب في صاحب، وجملة " لا تخاف دركا " في محل نصب على الحال: أي آمنا من أن يدرككم العدو، أو صفة أخرى لطريق، والدرك اللحاق بهم من فرعون وجنوده. وقرأ حمزة " لا تخف " علي أنه جواب الأمر، والتقدير: إن تضرب لا تخف، ولا تخشى على هذه القراءة مستأنف: أي ولا أنت تخشى من فرعون أو من البحر.
وقرأ الجمهور " لا تخاف " وهى أرجح لعدم الجزم في تخشى، ويجوز أن تكون هذه الجملة على قراءة الجمهور صفة أخرى لطريق: أي لا تخاف منه ولا تخشى منه (فأتبعهم فرعون بجنوده) أتبع هنا مطاوع تبع، يقال أتبعتهم إذا تبعتهم، وذلك إذا سبقوك فلحقتهم، فالمعنى: تبعهم فرعون ومعه جنوده. وقيل الباء زائدة والأصل اتبعهم جنوده: أي أمرهم أن يتبعوا موسى وقومه، وقرئ " فأتبعهم " بالتشديد: أي لحقهم بجنوده وهو معهم كما يقال: ركب الأمير بسيفه: أي معه سيفه، ومحل بجنوده النصب على الحال أي سابقا جنوده معه (فغشيهم من اليم ما غشيهم) أي علاهم وأصابهم ما علاهم وأصابهم، والتكرير للتعظيم والتهويل كما في قوله - الحاقة ما الحاقة - وقيل غشيهم ما سمعت قصته. وقال ابن الأنباري: غشيهم البعض الذي غشيهم، لأنه لم يغشهم كل ماء البحر، بل الذي غشيهم بعضه. فهذه العبارة للدلالة على أن الذي غرقهم بعض الماء، والأول أولى لما يدل عليه من التهويل والتعظيم. وقرئ فغشاهم من اليم ما غشاهم: أي غطاهم ما غطاهم (وأضل فرعون قومه وما هدى) أي أضلهم عن الرشد، وما هداهم إلى طريق النجاة لأنه قدر أن موسى ومن معه لايفوتونه لكونهم بين يديه يمشون في طريق يابسة، وبين أيديهم البحر، وفى قوله (وما هدى) تأكيد لإضلاله، لأن المضل قد يرشد من يضله في بعض الأمور (يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم) ذكر سبحانه ما أنعم به على بني إسرائيل بعد إنجائهم، والتقدير قلنا لهم بعد إنجائهم: يا بني إسرائيل، ويجوز أن يكون خطابا لليهود المعاصرين لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم لأن النعمة على الآباء معدودة من النعم على الأبناء، والمراد بعدوهم هنا فرعون وجنوده، وذلك بإغراقه وإغراق قومه