يقال ضحى الرجل يضحى ضحوا: إذا برز للشمس فأصابه حرها، فذكر سبحانه هاهنا أنه قد كفاه الاشتغال بأمر المعاش وتعب الكد في تحصيله، ولا ريب أن أصول المتاعب في الدنيا هي تحصيل الشبع والري والكسوة والكن، وما عدا هذه ففضلات يمكن البقاء بدونها، وهو إعلام من الله سبحانه لآدم أنه إن أطاعه فله في الجنة هذا كله، وإن ضيع وصيته ولم يحفظ عهده أخرجه من الجنة إلى الدنيا فيحل به التعب والنصب بما يدفع الجوع والعرى والظمأ والضحو، فالمراد بالشقاء شقاء الدنيا كما قاله كثير من المفسرين لا شقاء الأخرى. قال الفراء: هو أن يأكل من كد يديه، وقرأ أبو عمرو والكوفيون إلا عاصما " وأنك لتظمأ " بفتح أن، وقرأ الباقون بكسرها على العطف على إن لك (فوسوس إليه الشيطان) قد تقدم تفسيره في الأعراف في قوله - فوسوس لهما الشيطان - أي أنهى إليه وسوسته، وجملة (قال يا آدم) إلى آخره إما بدل من وسوس أو مستأنفة بتقدير سؤال كأنه قيل: فماذا قال له في وسوسته؟ و (شجرة الخلد) هي الشجرة التي من أكل منها لم يمت أصلا (وملك لا يبلى) أي لا يزول ولا ينقضي (فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما) قد تقدم تفسير هذا وما بعده في الأعراف. قال الفراء: ومعنى طفقا في العربية: أقبلا، وقيل جعلا يلصقان عليهما من ورق التين (وعصى آدم ربه فغوى) أي عصاه بالأكل من الشجرة فغوى فضل عن الصواب أو عن مطلوبه، وهو الخلود بأكل تلك الشجرة، وقيل فسد عليه عيشه بنزوله إلى الدنيا، وقيل جهل موضع رشده، وقيل بشم من كثرة الأكل. قال ابن قتيبة: أكل آدم من الشجرة التي نهى عنها باستزلال إبليس وخدائعه إياه، والقسم له بالله إنه له لمن الناصحين حتى دلاه بغرور ولم يكن ذنبه عن اعتقاد متقدم ونية صحيحة، فنحن نقول: عصى آدم ربه فغوى انتهى. قال القاضي أبو بكر بن العربي: لا يجوز لأحد أن يخبر اليوم بذلك عن آدم. قلت: لا مانع من هذا بعد أن أخبرنا الله في كتابه بأنه عصاه، وكما يقال حسنات الأبرار سيئات المقربين، ومما قلته في هذا المعنى:
عصى أبو العالم وهو الذي * من طينة صوره الله وأسجد الأملاك من أجله * وصير الجنة مأواه أغواه إبليس فمن ذا أنا المس * كين إن إبليس أغواه (ثم اجتباه ربه) أي اصطفاه وقربه. قال ابن فورك: كانت المعصية من آدم قبل النبوة بدليل ما في هذه الآية، فإنه ذكر الاجتباء والهداية بعد ذكر المعصية، وإذا كانت المعصية قبل النبوة فجائز عليهم الذنوب وجها واحدا (فتاب عليه وهدى) أي تاب عليه من معصيته، وهداه إلى الثبات على التوبة. قيل وكانت توبة الله عليه قبل أن يتوب هو وحواء بقولهما - ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين - وقد مر وجه تخصيص آدم بالذكر دون حواء.
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (أو يحدث لهم) أي القرآن (ذكرا) قال: جدا وورعا. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله (ولا تعجل بالقرآن) يقول: لا تعجل حتى نبينه لك. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن الحسن قال: لطم رجل امرأته، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تطلب قصاصا، فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينهما القصاص، فأنزل الله (ولا تعجل بالقرآن) الآية، فوقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزلت - الرجال قوامون على النساء - الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله (ولا تعجل) الآية قال: لا تتله على أحد حتى نتمه لك. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم