سورة المؤمنون الآية (69 - 83) قوله (أفلم يدبروا القول) بين سبحانه أن سبب إقدامهم على الكفر هو أحد هذه الأمور الأربعة: الأول عدم التدبر في القرآن، فإنهم لو تدبروا معانيه لظهر لهم صدقه وآمنوا به وبما فيه، والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر: أي فعلوا ما فعلوا فلم يتدبروا، والمراد بالقول القرآن، ومثله " أفلا يتدبرون القرآن ". والثاني قوله (أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين) أم هي المنقطعة: أي بل أجاءهم من الكتاب ما لم يأت آباءهم الأولين، فكان ذلك سببا لاستنكارهم للقرآن، والمقصود تقرير أنه لم يأت آباءهم الأولين رسول، فلذلك أنكروه، ومثله قوله " لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم " وقيل إنه أتى آباءهم الأقدمين رسل أرسلهم الله إليهم. كما هي سنة الله سبحانه في إرسال الرسل إلى عباده، فقد عرف هؤلاء ذلك، فكيف كذبوا هذا القرآن. وقيل المعنى: أم جاءهم من الأمن من عذاب الله ما لم يأت آباءهم الأولين كإسماعيل ومن بعده. والثالث قوله (أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون) وفى هذا إضراب وانتقال من التوبيخ بما تقدم إلى التوبيخ بوجه آخر: أي بل ألم يعرفوه بالأمانة والصدق فأنكروه، ومعلوم أنهم قد عرفوه بذلك. والرابع قوله (أم يقولون به جنة) وهذا أيضا انتقال من توبيخ إلى توبيخ: أي بل أتقولون به جنة: أي جنون، مع أنهم قد عملوا أنه أرجح الناس عقلا، ولكنه جاء بما يخالف هواهم فدفعوه وجحدوه تعصبا وحمية. ثم أضرب سبحانه عن ذلك كله فقال (بل جاءهم بالحق) أي ليس الأمر كما زعموا في حق القرآن والرسول، بل جاءهم ملتبسا بالحق، والحق هو الدين القويم، (وأكثرهم للحق كارهون) لما جبلوا عليه من التعصب، والانحراف عن الصواب، والبعد عن الحق، فلذلك كرهوا هذا الحق الواضح الظاهر، وظاهر النظم أن أقلهم كانوا لا يكرهون الحق، ولكنهم لم يظهروا الإيمان خوفا من الكارهين له، وجملة (ولو اتبع الحق
(٤٩٢)