سابقون إياها، وقيل اللام بمعنى إلى كما في قوله - بأن ربك أوحى لها - أي أوحى إليها، وأنشد سيبويه قول الشاعر:
تجانف عن أهل اليمامة يا فتى * وما قصدت من أهلها لسوائكا أي إلى سوائكا، وقيل المفعول محذوف، والتقدير: وهو سابقون الناس لأجلها. ثم لما انجر الكلام إلى ذكر أعمال المكلفين ذكر لهما حكمين: الأول قوله " ولا نكلف نفسا إلا وسعها " الوسع هو الطاقة،، وقد تقدم بيان هذا في آخر سورة البقرة. وفى تفسير الوسع قولان: الأول أنه الطاقة كما فسره بذلك أهل اللغة. الثاني أنه دون الطاقة، وبه قال مقاتل والضحاك والكلبي. والمعتزلة قالوا: لأن الوسع إنما سمى وسعا لأنه يتسع على فاعله فعله ولا يضيق عليه، فمن لم يستطع الجلوس فليوم إيماء، ومن لم يستطع الصوم فليفطر. وهذه الجملة مستأنفة للتحريض على ما وصف به السابقون من فعل الطاعات المؤدي إلى نيل الكرامات ببيان سهولته وكونه غير خارج عن حد الوسع والطاقة، وأن ذلك عادة الله سبحانه في تكليف عباده، وجملة (ولدينا كتاب ينطق بالحق) من تمام ما قبلها من نفي التكليف بما فوق الوسع والمراد بالكتاب صحائف الأعمال: أي عندنا كتاب قد أثبت فيه أعمال كل واحد من المكلفين على ما هي عليه، ومعنى " ينطق بالحق " يظهر به الحق المطابق للواقع من دون زيادة ولا نقص، ومثله قوله سبحانه " هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق أنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون "، وفى هذا تهديد للعصاة وتأنيس للمطيعين من الحيف والظلم. وقيل المراد بالكتاب اللوح المحفوظ، فإنه قد كتب فيه كل شئ. وقيل المراد بالكتاب: القرآن، والأول أولى. وفى هذه الآية تشبيه للكتاب بمن يصدر عنه البيان بالنطق بلسانه، فإن الكتاب يعرب عما فيه كما يعرب الناطق المحق، وقوله (بالحق). يتعلق بينطق، أو بمحذوف هو حال من فاعله: أي ينطق ملتبسا بالحق، وجملة (وهم لا يظلمون) مبينة لما قبلها من تفضله وعدله في جزاء عباده: أي لا يظلمون بنقص ثواب أو بزيادة عقاب، ومثله قوله سبحانه " ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا "، ثم أضرب سبحانه عن هذا فقال (بل قلوبهم في غمرة من هذا) والضمير للكفار: أي بل قلوب الكفار في غمرة غامرة لها عن هذا الكتاب الذي ينطق بالحق، أو عن الأمر الذي عليه المؤمنون، يقال غمره الماء: إذا غطاه، ونهر غمر:
يغطي من دخله، والمراد بها هنا الغطاء والغفلة أو الحيرة والعمى، وقد تقدم الكلام على الغمرة قريبا (ولهم أعمال من دون ذلك) قال قتادة ومجاهد: أي لهم خطايا لا بد أن يعملوها من دون الحق. وقال الحسن وابن زيد:
المعنى ولهم أعمال رديئة لم يعملوها من دون ما هم عليه لا بد أن يعملوها فيدخلون بها النار، فالإشارة بقوله (ذلك) إما إلى أعمال المؤمنين، أو إلى أعمال الكفار: أي لهم أعمال من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله، أو من دون أعمال الكفار التي تقدم ذكرها من كون قلوبهم في غفلة عظيمة مما ذكر، وهى فنون كفرهم ومعاصيهم التي من جملتها ما سيأتي من طعنهم في القرآن. قال الواحدي: إجماع المفسرين وأصحاب المعاني على أن هذا إخبار عما سيعملونها من أعمالهم الخبيثة التي كتبت عليهم لا بد لهم أن يعملوها، وجملة (هم لها عاملون) مقررة لما قبلها: أي واجب عليهم أن يعملوها فيدخلوا بها النار لما سبق لهم من الشقاوة لا محيص لهم عن ذلك. ثم رجع سبحانه إلى وصف الكفار فقال (حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب) حتى هذه هي التي يبتدأ بعدها الكلام، والكلام هو الجملة الشرطية المذكورة، وهذه الجملة مبينة لما قبلها، والضمير في مترفيهم راجع إلى من تقدم ذكره من الكفار، والمراد بالمترفين المتنعمين منهم، وهم الذين أمدهم الله بما تقدم ذكره من المال والبنين، أو المراد بهم الرؤساء منهم. والمراد بالعذاب هو عذابهم بالسيف يوم بدر، أو بالجوع بدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: اللهم