عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يصلي على عبد الله بن أبي فأخذ جبريل بثوبه وقال " ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ". ورواه الحافظ أبو يعلي في مسنده من حديث يزيد الرقاشي وهو ضعيف وقال قتادة أرسل عبد الله ابن أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض فلما دخل عليه قال له النبي صلى الله عليه وسلم " أهلكك حب يهود " قال يا رسول الله إنما أرسلت إليك لتستغفر لي ولم أرسل إليك لتؤنبني ثم سأله عبد الله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه إياه وصلى عليه وقام على قبره فأنزل الله عز وجل " ولا تصل على أحد منهم مات أبدا " الآية. وقد ذكر بعض السلف أنما كساه قميصه لان عبد الله ابن أبي لما قدم العباس طلب له قميص فلم يوجد على تفصيله إلا ثوب عبد الله بن أبي لأنه كان ضخما طويلا ففعل ذلك به رسول الله صلى الله عليه وسلم مكافأة له فالله أعلم ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية الكريمة عليه لا يصلي على أحد من المنافقين ولا يقوم على قبره كما قال الإمام أحمد حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن أبيه حدثني عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعي إلى جنازة سأل عنها فإن اثني عليها خيرا قام فصلى عليها وإن كان غير ذلك قال لأهلها " شأنكم بها " ولم يصل عليها وكان عمر بن الخطاب لا يصلي على جنازة من جهل حاله حتى يصلى عليها حذيفة بن اليمان لأنه كان يعلم أعيان المنافقين قد أخبره بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا كان يقال له صاحب السر الذي لا يعلمه غيره أي من الصحابة وقال أبو عبيد في كتاب الغريب في حديث عمر أنه أراد أن يصلى على جنازة رجل فمرزه حذيفة كأنه أراد أن يصده عن الصلاة عليها. ثم حكى عن بعضهم أن المرزبلغة أهل اليمامة هو القرص بأطراف الأصابع ولما نهى الله عز وجل عن الصلاة على المنافقين والقيام على قبورهم للاستغفار لهم كان هذا الصنيع من أكبر القربات في حق المؤمنين فشرع ذلك وفي فعله الاجر الجزيل كما ثبت في الصحاح وغيرها من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان " قيل وما القيراطان؟ قال " أصغرهما مثل أحد " وأما القيام عند قبر المؤمن إذا مات فروى أبو داود حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا هشام عن عبد الله بن بحير عن هانئ وهو أبو سعيد البريري مولى عثمان بن عفان عن عثمان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال " استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل " انفرد بإخراجه أبو داود رحمه الله.
ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون (85) تقدم تفسير نظير هذه الآية الكريمة ولله الحمد والمنة.
وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله أستأذنك أولوا الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين (86) رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون (87) يقول تعالى منكرا وذاما للمتخلفين عن الجهاد الناكلين عنه مع القدرة عليه ووجود السعة والطول واستأذنوا الرسول في القعود وقالوا " ذرنا نكن مع القاعدين " ورضوا لأنفسهم بالعار والقعود في البلد مع النساء وهن الخوالف بعد خروج الجيش فإذا وقع الحرب كانوا أجبن الناس وإذا كان أمن كانوا أكثر الناس كلاما كما قال تعالى عنهم في الآية الأخرى " فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد ". أي علت ألسنتهم بالكلام الحد القوي في الامن وفي الحرب أجبن شئ وكما قال الشاعر:
أفي السلم أعيار أجفا وغلظة * وفي الحرب أشباه النساء الفوارك؟