سرا ثم يتوب منه سرا ذكر ذلك كله ابن أبي حاتم رحمه الله. وقال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا المحاربي عن حجاج عن الحكيم عن الحسن بن مسلم بن بيان أن رجلا كان يكثر ذكر الله ويسبح فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " إنه أواه " وقال أيضا حدثنا أبو كريب حدثنا ابن هانئ حدثنا المنهال بن خليفة عن حجاج بن أرطاة عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن ميتا فقال " رحمك الله إن كنت لاواها " يعني تلاء للقرآن وقال شعبة عن أبي يونس الباهلي قال سمعت رجلا بمكة وكان أصله روميا وكان قاصا يحدث عن أبي ذر قال: كان رجل يطوف بالبيت الحرام ويقول في دعائه أوه أوه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " إنه أواه " قال فخرجت ذات ليلة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفن ذلك الرجل ليلا ومعه المصباح. هذا حديث غريب رواه ابن جريج. وروى عن كعب الأحبار أنه قال: سمعت " إن إبراهيم لاواه " قال كان إذا ذكر النار قال أوه من النار وقال ابن جرير عن ابن عباس " إن إبراهيم لاواه " قال فقيه. قال الإمام أبو جعفر بن جرير وأولى الأقوال قول من قال إنه الدعاء وهو المناسب للسياق وذلك أن الله تعالى لما ذكر أن إبراهيم إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياها وقد كان إبراهيم كثير الدعاء حليما عمن ظلمه وأناله مكروها ولهذا استغفر لأبيه مع شدة أذاه له في قوله " أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا * قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان ربي حفيا " فحلم عنه مع أذاه له ودعا له واستغفر ولهذا قال تعالى " إن إبراهيم لاواه حليم ".
وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شئ عليم (115) إن الله له ملك السماوات والأرض يحيى ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير (116) يقول تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة وحكمه العادل إنه لا يضل قوما إلا بعد إبلاغ الرسالة إليهم حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة كما قال تعالى " فأما ثمود فهديناهم " الآية وقال مجاهد في قوله تعالى " وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم " الآية. قال بيان الله عز وجل للمؤمنين في ترك الاستغفار للمشركين خاصة وفي بيانه لهم في معصيته وطاعته عامة فافعلوا أو ذروا: وقال ابن جرير يقول الله تعالى وما كان الله ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلال بعد إذ رزقكم الهداية ووفقكم للايمان به وبرسوله حتى يتقدم إليكم بالنهي عنه فتتركوا فأما قبل أن يبين لكم كراهة ذلك بالنهي عنه فلم تضيعوا نهيه إلى ما نهاكم عنه فإنه لا يحكم عليكم بالضلال فإن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهي وأما من لم يؤمر ولم ينه فغير كائن مطيعا أو عاصيا فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه، وقوله تعالى " إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير " قال ابن جرير هذا تحريض من الله تعالى لعباده المؤمنين في قتال المشركين وملوك الكفر وأنهم يثقوا بنصر الله مالك السماوات والأرض ولم يرهبوا من أعدائه فإنه لا ولي لهم من دون الله ولا نصير لهم سواه وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن أبي دلامة البغدادي حدثنا عبد الوهاب بن عطاء حدثنا سعيد عن قتادة عن صفوان بن محرز عن حكيم بن حزام قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه إذ قال لهم " هل تسمعون ما أسمع؟ " قالوا ما نسمع من شئ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني لاسمع أطيط السماء وما تلام أن تئط ما فيها من موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم " وقال كعب الأحبار ما من موضع خرمة إبرة من الأرض إلا وملك موكل بها يرفع علم ذلك إلى الله وإن ملائكة السماء لأكثر من عدد التراب وإن حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى مخه مسيرة مائة عام.
لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم (117)