أنبيائهم ورسلهم أورثهم الله وعهد إليهم وقال الله تعالى في آية أخرى " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة " الآية. قال " يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا " تمنوا على الله أماني وغرة يغترون بها " وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه " لا يشغلهم شئ عن شئ ولا ينهاهم شئ عن ذلك كلما هف لهم شئ من الدنيا أكلوه لا يبالون حلالا كان أو حراما وقال السدي قوله " فخلف من بعدهم خلف " إلى قوله " ودرسوا ما فيه " قال كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضيا إلا ارتشى في الحكم وإن خيارهم اجتمعوا فأخذ بعضهم على بعض العهود أن لا يفعلوا ولا يرتشوا فجعل الرجل منهم إذا استقضى ارتشى فيقال له ما شأنك ترتشي في الحكم؟ فيقول سيغفر لي فتطعن عليه البقية الآخرون من بني إسرائيل فيما صنع فإذا مات أو نزع وجعل مكانه رجل ممن كان يطعن عليه فيرتشي يقول وإن يأت الآخرين عرض الدنيا يأخذوه قال الله تعالى " ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق " الآية. يقول تعالى منكرا عليهم في صنيعهم هذا مع ما أخذ عليهم الميثاق ليبينن الحق للناس ولا يكتمونه كقوله " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون " الآية وقال ابن جريج قال ابن عباس " ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق " قال فيما يتمنون على الله من غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون فيها ولا يتوبون منها وقوله تعالى " والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون " يرغبهم في جزيل ثوابه ويحذرهم من وبيل عقابه أي وثوابي وما عندي خير لمن اتقى المحارم وترك هوى نفسه وأقبل على طاعة ربه " أفلا تعقلون " يقول أفليس لهؤلاء الذين اعتاضوا بعرض الدنيا عما عندي عقل يردعهم عما هم فيه من السفه والتبذير ثم أثنى تعالى على من تمسك بكتابه الذي يقوده إلى اتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما هو مكتوب فيه فقال تعالى " والذين يمسكون بالكتاب " أي اعتصموا به واقتدوا بأوامره وتركوا زواجره " وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين ".
* وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون (171) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله " وإذ نتقنا الجبل فوقهم " يقول رفعناه وهو قوله " ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم " وقال سفيان الثوري عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رفعته الملائكة فوق رؤوسهم وهو قوله " ورفعنا فوقهم الطور " وقال القاسم بن أبي أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ثم سار بهم موسى عليه السلام إلى الأرض المقدسة وأخذ الألواح بعدما سكت عنه الغضب وأمرهم بالذي أمر الله أن يبلغهم من الوظائف فثقلت عليهم وأبوا أن يقروا بها حتى نتق الله الجبل فوقهم " كأنه ظلة " قال رفعته الملائكة فوق رؤوسهم رواه النسائي بطوله وقال سنيد بن داود في تفسيره عن حجاج بن محمد عن أبي بكر بن عبد الله قال هذا كتاب أتقبلونه بما فيه فإن فيه بيان ما أحل لكم وما حرم عليكم وما أمركم وما نهاكم؟ قالوا أنشر علينا ما فيها فإن كانت فرائضها وحدودها يسيرة قبلناها قال اقبلوها بما فيها قالوا لا حتى نعلم ما فيها كيف حدودها وفرائضها فراجعوه مرارا فأوحى الله إلى الجبل فانقلع فارتفع في السماء حتى إذا كان بين رؤوسهم وبين السماء قال لهم موسى ألا ترون ما يقول ربي عز وجل لئن لم تقبلوا التوراة بما فيها لأرمينكم بهذا الجبل. قال فحدثني الحسن البصري قال لما نظروا إلى الجبل خر كل رجل ساجدا على حاجبه الأيسر ونظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقا من أن يسقط عليه فكذلك ليس اليوم في الأرض يهودي يسجد إلا على حاجبه الأيسر يقولون هذه السجدة التي رفعت بها العقوبة قال أبو بكر فلما نشر الألواح فيها كتاب الله كتبه بيده لم يبق على وجه الأرض جبل ولا شجر ولا حجر إلا اهتز فليس اليوم يهودي على وجه الأرض صغير ولا كبير تقرأ عليه التوراة إلا اهتز ونغض لها رأسه أي حول كما قال تعالى " فسينغضون إليك رؤوسهم " والله أعلم.