وقوله تعالي " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا ابن علية عن أيوب قال نبئت عن طاوس أنه قال لا يحكم على من أصاب صيدا خطأ إنما يحكم على من أصابه متعمدا وهذا مذهب غريب عن طاوس وهو متمسك بظاهر الآية. وقال مجاهد بن جبير المراد بالمعتمد هنا القاصد إلى قتل الصيد الناسي لاحرامه فأما المتعمد لقتل الصيد مع ذكره لاحرامه فذاك أمره أعظم من أن يكفر وقد بطل إحرامه رواه ابن جرير عنه من طريق ابن أبي نجيح وليث بن أبي سليم وغيرهما عنه وهو قول غريب أيضا والذي عليه الجمهور أن العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء عليه وقال الزهري دل الكتاب على العامد وجرت السنة على الناسي ومعنى هذا أن القرآن دل على وجوب الجزاء على المعتمد وعلي تأثيمه بقوله " ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه " وجاءت السنة من أحكام النبي صلى الله عليه وسلم وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ كما دل الكتاب عليه في العمد وأيضا فإن قتل الصيد إتلاف والاتلاف مضمون في العمد وفي النسيان لكن المتعمد مأثوم والمخطئ غير ملوم وقوله تعالى " فجزاء مثل ما قتل من النعم " قرأ بعضهم بالإضافة وقرأ آخرون بعطفها " فجزاء مثل ما قتل من النعم " وحكى ابن جرير أن ابن مسعود قرأ " فجزاؤه مثل ما قتل من النعم " وفي قوله " فجزاء مثل ما قتل من النعم " على كل من القراءتين دليل لما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد والجمهور من وجب الجزاء من مثل ما قتله المحرم إذا كان له مثل من الحيوان الانسي خلافا لأبي حنيفة - رحمه الله - حيث أوجب القيمة سواء كان الصيد المقتول مثليا أو غير مثلي قال وهو مخير إن شاء تصدق بثمنه وإن شاء اشترى به هديا والذي حكم به الصحابة في المثل أولى بالاتباع فإنهم حكموا في النعامة ببدنة وفي بقرة الوحش ببقرة وفي الغزال بعنز وذكر قضايا الصحابة وأسانيدها مقرر في كتاب الأحكام وأما إذا لم يكن الصيد مثليا فقد حكم ابن عباس فيه بثمنه يحمل إلى مكة رواه البيهقي.
وقوله تعالى " يحكم به ذوا عدل منكم " يعني أنه يحكم بالجزاء في المثل أو بالقيمة في غير المثل عدلان من المسلمين واختلف العلماء في القاتل هل يجوز أن يكون أحد الحكمين على قولين: " أحدهما " لا لأنه قد يتهم في حكمه على نفسه وهذا مذهب مالك " والثاني " نعم لعموم الآية وهو مذهب الشافعي وأحمد واحتج الأولون بأن الحاكم لا يكون محكوما عليه في صورة واحدة قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو نعيم - الفضل بن دكين - حدثنا جعفر - هو ابن برقان - عن ميمون بن مهران أن أعرابيا أتى أبا بكر فقال: قتلت صيدا وأنا محرم فما ترى علي من الجزاء. فقال أبو بكر - رضي الله عنه - لأبي بن كعب وهو جالس عنده: ما ترى فيها قال: فقال الاعرابي أتيتك وأنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسألك فإذا أنت تسأل غيرك فقال أبو بكر وما تنكر؟ يقول الله تعالى " فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم " فشاورت صاحبي حتى إذا اتفقنا على أمر أمرناك به وهذا إسناد جيد لكنه منقطع بين ميمون وبين الصديق ومثله يحتمل ههنا فبين له الصديق الحكم برفق وتؤدة لما رآه أعرابيا جاهلا وإنما دواء الجهل التعليم فأما إذا كان المعترض منسوبا إلى العلم فقد قال ابن جرير حدثنا هناد وأبو هشام الرفاعي قالا حدثنا وكيع بن الجراح عن المسعودي عن عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جابر قال خرجنا حجاجا فكنا إذا صلينا الغداة إقتدنا رواحلنا فتماشى نتحدث قال فبينما نحن ذات غداة إذ سنح لنا ظبي أو برح فرماه رجل كان معنا بحجر فما أخطأ حشاه فركب وودعه ميتا قال فعظمنا عليه فلما قدمنا مكة خرجت معه حتى أتينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقص عليه القصة قال وإذا إلى جنبه رجل كأن وجهه قلب فضة يعني عبد الرحمن بن عوف فالتفت عمر إلى صاحبه فكلمه قال ثم أقبل على الرجل فقال أعمدا قتلته أم خطأ فقال الرجل لقد تعمدت رميه وما أردت قتله فقال عمر ما أراك إلا قد أشركت بين العمد والخطأ اعمد إلى شاة فاذبحها وتصدق بلحمها واستبق إهابها قال فقمنا من عنده فقلت لصاحبي أيها الرجل عظم شعائر الله فما درى أمير المؤمنين ما يفتيك حتى سأل صاحبه اعمد إلى ناقتك فانحرها فلعل ذلك يعني أن يجزئ عنك قال قبيصة ولا أذكر الآية من سورة المائدة " يحكم به ذوا