ذلك أن الشيخ (رضوان الله عليه) قد روى أكثر تلك الروايات ولم يتعرض لردها ولا تأويلها بوجه، مع كونها مخالفة لمذهبه لو كان ذلك من محل النزاع، وفيه ايذان بأنه ليس من محل النزاع في شئ. ومع فرض دخوله في محل البحث فهو مردود بالأخبار المشار إليها، لدلالتها على جواز الاستعمال مع تساقط ماء الغسل في الإناء.
وأما الثالث فالظاهر أنه هو محل البحث على الخصوص.
(الثانية) ينبغي أن يعلم أن موضع البحث هو الماء الذي يغتسل به المحدث الخالي بدنه من نجاسة خبثية، وإلا كان حكم الماء المتساقط عن الموضع النجس حكم غسالة النجاسة، وبذلك صرح أيضا جمع من الأصحاب. والظاهر أنه بهذا خرجت الأخبار التي استند إليها الخصم كما أشرنا إليه آنفا.
(الثالثة) الظاهر أنه لا خلاف في إزالة الخبث بهذا الماء كما مرت الإشارة إليه، وممن نقل الاجماع على ذلك العلامة في المنتهى وابنه فخر المحققين في الشرح.
واحتج له مع ذلك في المنتهى فقال ما لفظه: " الثالث المستعمل في غسل الجنابة يجوز إزالة النجاسة به اجماعا منا، لاطلاقه. والمنع من رفع الحدث به عند بعض الأصحاب لا يوجب المنع من إزالة النجاسة، لأنهم إنما قالوه ثم لعلة لم توجد في إزالة الخبث، فإن صحت تلك العلة ظهر الفرق وبطل الالحاق، وإلا حكموا بالتساوي في الماءين كما قلناه " انتهى.
وعبارة الذكرى هنا ظاهرة في الخلاف، حيث قال: " جوز الشيخ والمحقق إزالة النجاسة به، لطهارته ولبقاء قوة إزالته الخبث وإن ذهب قوة رفعه الحدث، وقيل: لا، لأن قوته استوفيت فالتحق بالمضاف " انتهى، ومن ثم اعترض به بعض المتأخرين على مدعي الاجماع. وأجاب في المعالم باحتمال أن يكون المنقول عنه في عبارة الذكرى بعض المخالفين، كما يشعر به تعليله الواهي المنقول ثمة. وفيه أن المعهود