وأما صحيحة محمد بن إسماعيل فلا يخفى ما فيها من الاجمال، لأن الماء المسؤول عنه وإن كان السائل قد سأل عن بيان حده الذي يجوز معه لكن الإمام (عليه السلام) لم يبينه له، إلا أنه بالنظر إلى قيام الدليل على نجاسة الماء القليل وأنه بالنسبة إلى الطهارة حينئذ في حكم العدم، فلا بد من الحمل على الكرية وحمل النهي عنه إلا مع الضرورة على التنزيه، بناء على أنه يشترط في ماء الطهارة ما لا يشترط في غيره من المزية، وحينئذ يتم ما ذكره شيخنا البهائي (رحمه الله) بالنسبة إلى هذا الخبر.
نعم يبقى الكلام في استدلال العلامة به على الجواز، فإن للخصم الاستدلال به على المنع وحمل الجوار هنا على الضرورة كما ينطق به لفظه، بعين ما تقدم (1) من حمل الشيخ صحيحة علي بن جعفر على ذلك. وقول العلامة في المختلف في بيان وجه الاستدلال بهذه الرواية: " أنه لو كان هذا الماء غير مطهر لما جاز الوضوء منه من ضرورة وغيرها " مردود بحصول الرخص في الشريعة في مواضع لا تحصى، وليس الرخصة إلا بتجويز ما منع منه تخفيفا وتسهيلا في بعض الموارد كما لا يخفى، إلا أن كلام الشيخ في التهذيب (2) ظاهر الإباء لذلك، حيث إنه بعد أن نقل عبارة المقنعة الدالة على أنه بالاغتسال في الكثير يخالف السنة استدل عليه بالصحيحة المذكورة، قائلا بعد نقلها: " قوله (عليه السلام): لا توضأ من مثل هذا إلا من ضرورة إليه يدل على كراهة النزول فيه، لأنه لو لم يكن مكروها لما قيد الوضوء والغسل منه بحال الضرورة. ثم قال: وأما الذي يدل على أنه لا يفسد الماء إذا زاد على الكر بنزول الجنب فيه ما تقدم من الأخبار وأنه إذا بلغ الماء كرا لم ينجسه شئ " انتهى. وهو كما ترى صريح في عدم دخول قدر الكر في محل الخلاف، وعبارة المقنعة المنقولة أيضا ظاهرة الانطباق على هذا الكلام، فحينئذ فما توهم من نسبة الخلاف إليهما في قدر