الحدائق الناضرة - المحقق البحراني - ج ١ - الصفحة ٨
فقال: ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. فما فوض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقد فوضه إلينا).
ولعلك بمعونة ذلك تعلم أن الترجيح بين الأخبار بالتقية - بعد العرض على الكتاب العزيز - أقوى المرجحات. فإن جل الاختلاف الواقع في أخبارنا بل كله عند التأمل والتحقيق إنما نشأ من التقية (1) ومن هنا دخلت الشبهة على جمهور متأخري أصحابنا رضوان الله عليهم، فظنوا أن هذا الاختلاف إنما نشأ من دس أخبار الكذب في أخبارنا، فوضعوا هذا الاصطلاح ليميزوا به صحيحها عن سقيمها وغثها من سمينها، وقوى الشبهة فيما ذهبوا إليه شيئان: (أحدهما) رواية مخالف المذهب وظاهر الفسق والمشهور بالكذب من فطحي وواقفي وزيدي وعامي وكذاب وغال ونحوهم.
و (ثانيهما) ما ورد عنهم عليهم السلام من أن لكل رجل منا رجلا يكذب عليه وأمثاله مما يدل على دس بعض الأخبار الكاذبة في أحاديثهم عليهم السلام، ولم يتفطنوا نور الله ضرائحهم إلى أن هذه الأحاديث التي بأيدينا إنما وصلت بعد أن سهرت

(١) أقول: وقد وفق الله تعالى إلى الوقوف على كلام للمحدث الأمين الأسترآبادي (قدس سره) يطابق ما سنح لنا في هذه المقالة، حيث قال في تعليقاته على كتاب المدارك في بحث البئر في بيان السبب في اختلاف أخبار النزح ما لفظه: وأما الروايات المختلفة المتضمنة للنزح ففي سبب اختلافها احتمالات، وذلك لتضمن كثير من الروايات أنه من أنواع التقية صدور أجوبة مختلفة عنهم عليهم السلام في مسألة واحدة لئلا يثبت عليهم قول واحد، ولنص كثير منها أن خصوصيات كثير من الأحكام مفوضة إليهم عليهم السلام كما كانت مفوضة إليه صلى الله عليه وآله، ليعلم المسلم لأمرهم من غيره. إلى آخر كلامه خصه الله بمزيد اكرامه. وأني سابقا كان يكثر تعجبي من عدم اهتداء أحد سيما من المحدثين إلى ما ذكرنا. حتى وفق الله سبحانه للوقوف على هذا الكلام. وما ذكره (قدس سره) من خروج بعض الاختلافات عنهم (ع) من باب التفويض يدل عليه من الأخبار المذكورة هنا خبر موسى بن أشيم (منه رحمه الله).
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»
الفهرست