متأخري المتأخرين كشيخنا المجلسي (طاب ثراه) وطائفة ممن أخذ عنه. فإنهم سلكوا من طرق الخلاف بين ذينك الفريقين طريقا وسطى بين القولين ونجدا أوضح من ذينك النجدين (وخير الأمور وسطها) ونحن قد بسطنا الكلام في ايضاح هذا المرام في جملة من مؤلفاتنا ولا سيما كتاب المسائل، فإنا قد أعطينا المسألة حقها من الدلائل، ولا بأس بذكر طرف من ذلك في هذا الكتاب، حيث إنا قد قصدنا فيه ضرب الصفح غالبا عن الكلام في أسانيد الأخبار والطعن فيها بذلك. فربما يظن الناظر الغير العالم بطريقتنا أن ذلك عن عجز أو غفلة أو نحو ذلك، فرأينا أن نبين هنا أن ذلك إنما هو من حيث ثبوت صحة تلك الأخبار عندنا والوثوق بورودها عن أصحاب العصمة (صلوات الله عليهم).
فنقول: قد صرح شيخنا البهائي في كتاب مشرق الشمسين وقبله المحقق الشيخ حسن (أعلى الله رتبتهما) في مقدمات كتاب المنتقى بما ملخصه: أن السبب - الداعي إلى تقرير هذا الاصطلاح في تنويع الحديث إلى الأنواع الأربعة - هو أنه لما طالت المدة بينهم وبين الصدر الأول وبعدت عليهم الشقة وخفيت عليهم تلك القرائن التي أوجبت صحة الأخبار عن المتقدمين. وضاق عليهم ما كان متسعا على غيرهم.
التجأوا إلى العمل بالظن بعد فقد العلم. لكونه أقرب مجازا إلى الحقيقة عند تعذرها، وبسبب التباس الأخبار غثها بسمينها وصحيحها بسقيمها التجأوا إلى هذا الاصطلاح الجديد. وقربوا لنا البعيد، ونوعوا الحديث إلى الأنواع الأربعة. وزاد في كتاب مشرق الشمسين: أنهم ربما سلكوا طريقة القدماء في بعض الأحيان، ثم عد (قدس سره) مواضع من ذلك. هذا خلاصة ما ذكروا في تعليل ذلك. ونحن نقول: لنا على بطلان هذا الاصطلاح وصحة أخبارنا وجوه.
(الأول) ما قد عرفت في المقدمة الأولى من أن منشأ الاختلاف في أخبارنا إنما هو التقية من ذوي الخلاف لا من دس الأخبار المكذوبة حتى يحتاج إلى هذا