وقوله: " وإذ هم نجوى " معناه إذ يتناجون بأن يرفع كل واحد سره إلى الآخر، ووصفوا بالمصدر، لان نجوى مصدر، ونجواهم زعمهم انه مجنون، وانه ساحر وانه اتى بأساطير الأولين - في قول قتادة - وكان من جملتهم الوليد بن المغيرة وقوله " إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا " قيل في معناه قولان:
أحدهما - إنكم ليس تتبعون إلا رجلا قد سحر، فاختلط عليه أمره، يقولون ذلك للتنفير عنه، كما يقال: سحر فلان، فهو مسحور إذ اختلط عقله. وقيل " مسحورا " أي مصروفا عن الحق، يقال: ما سحرك عن كذا؟ أي ما صرفك.
الثاني - ان له سحرا أي رئة، لا يستغني عن الطعام والشراب، فهو مثلكم.
والعرب تقول للجبان: انتفخ سحره قال لبيد:
فان تسلينا فيم نحن فإننا * عصافير من هذا الأنام المسحر (1) وقال آخر:
ونسحر بالطعام وبالشراب (2) وقيل: إن " نفورا " جمع نافر، كقاعد وقعود، وشاهد وشهود، وجالس وجلوس. وقيل: مسحور معناه مخدوع. ومعنى الآية البيان عما يوجبه حال الجاحد للحق المعادي لأهله وذمه بأن قلبه كأنه في أكنة عن تفهمه، وكأن في أذنيه وقرا عن استماعه فهو مول على دبره، نافر عنه بجهله يناجي بالانحراف عنه جهالا مثله، قد تعبوا بالحجة حتى نسبوا صاحبها إلى أنه مسحور، لما لم يكن إلى مقاومة ما أتى به سبيل، ولا على كسره دليل.