لذلك، وأن من خلق من نار أشرف وأعظم، من الذي خلق من طين، وآدم إذا كان مخلوقا من طين كيف يسجد له من هو مخلوق من نار، وهو إبليس، وذلك يدل على أن إبليس فهم من ذلك الامر تفضيله عليه، ولو كان بمنزلة القبلة لما كان لامتناعه عليه وجه، ولا لدخول الشبهة بذلك مجال.
و " طينا " نصب على التمييز، ويجوز أن يكون نصبا على الحال. والمعنى إنك أنشأته في حال كونه من طين.
ووجه الشبهة الداخلة على إبليس ان الفروع ترجع إلى الأصول فتكون على قدرها في التكبر أو التصغر، فلما اعتقد أن النار أكرم أصلا من الطين جاء منه انه أكرم ممن خلق من طين، وذهب عليه بجهله أن الجواهر كلها متماثلة، وان الله تعالى يصرفها بالاعراض كيف شاء مع كرم جوهر الطين وكثرة ما فيه من المنافع التي تقارب منافع النار أو توفى عليها.
وإنما جاز ان يأمره بالسجود له، ولم يجز ان يأمره بالعبادة له، لان السجود يترتب في التعظيم بحسب ما يراد به، وليس كذلك العبادة التي هي خضوع بالقلب ليس فوقه خضوع، لأنه يترتب في التعظيم بحسب نيته، يبين ذلك أنه لو سجد ساهيا لم يكن له منزلة في التعظيم على قياس غيره من افعال الجوارح.
قال الرماني: الفرق بين السجود لآدم والسجود إلى الكعبة، ان السجود لآدم تعظيم له باحسانه، وهذا يقارب قولنا في أنه قصد بذلك تفضيله بأن امره بالسجود له.
ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها أن المعنى ما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا محققين ظن إبليس فيهم مخالفين موجب نعمة ربهم على أمتهم وعليهم ثم حكى تعالى عن إبليس أنه قال " أرأيتك هذا الذي كرمت علي " ومعناه اخبرني عن هذا الذي كرمته علي لم كرمته علي؟ وقد خلقتني من نار وخلقته من طين! فحذف لدلالة الكلام عليه.
وإنما قال " أأسجد " بلا حرف عطف، لأنه على قوله " أأسجد " لمن خلقت طينا " والكاف في قوله " أرأيتك " لا موضع لها من الاعراب، لأنها ذكرت في