على أنه نزه نفسه عن قولهم أو على معنى قل لهم سبحانه عما يقولون فأما قوله " يسبح " بالياء والتاء، فحسنان. وقد بينا في غير موضع معناه، ويقوي التأنيث قراءة عبد الله فسبحت له السماوات.
لما اخبر الله تعالى أنه " لو كان معه آلهة " سواه على ما يدعيه المشركون " ليبتغوا إلى ذي العرش سبيلا " ونزه نفسه عن ذلك، فقال " سبحانه " ويحتمل أن يكون أمر نبيه أن يقول " سبحانه " أي تنزيها له تعالى " عما يقولون " أي عن قولهم، ويجوز أن يكون المراد عن الذي يقولونه من الأقوال الشنيعة فيه بأن معه آلهة " علوا كبيرا " وإنما لم يقل تعاليا، لأنه وضع مصدرا مكان مصدر نحو " وتبتل إليه تبتيلا " (1) ومعنى " تعالى " اي صفاته في أعلى المراتب، فإنه لا مساوي له فيها، لأنه قادر، ولا أحد أقدر منه، وعالم لا أحد أعلم منه، ولا مساوي له في ذلك.
ثم أخبر أنه " يسبح له " اي ينزهه عن ذلك " السماوات السبع والأرض ومن فيهن " يعني في السماوات والأرض من العقلاء، وتنزيه السماوات والأرض هو ما فيهما من الدلالة على توحيده وعدله، وأنه لا يشركه في الإلهية سواه. وجرى ذلك مجرى التسبيح باللفظ، وتسبيح العقلاء يحتمل ذلك: تسبيحهم باللفظ، غير أن ذلك يختص بالموحدين منهم دون المشركين.
وقوله " وإن من شئ إلا يسبح بحمده " اي ليس شئ من الموجودات إلا يسبح بحمد الله، يعني كل شئ يسبح بحمده، من جهة خلقته، أو معنى صفته إذ كل موجود سوى القديم تعالى حادث، يدعو إلى تعظيمه لحاجته إلى صانع غير مصنوع، صنعه أو صنع من صنعه، فهو يدعو إلى تثبيت قديم غني بنفسه عن كل شئ سواه، لا يجوز عليه ما يجوز على المحدثات، وما عداه الحادث يدل على تعظيمه بمعنى حدثه من معدوم لا يصح الا به، لدخوله في مقدوره أو مقدور