ما للمتقين، فقال " ان للمتقين " الذين يتقون عقاب الله باجتناب معاصيه وفعل طاعته " جنات " وهي البساتين التي تنبع فيها المياه، كما تفور من الفوارة، ثم يجري في مجاريه، وإنما يشوقهم إلى الثواب بالجنان، لأنها من أسباب لذات الدنيا المؤدية إليها، كما أن النار من أسباب الآلام لمن حصل فيها.
والفرق بين الجنة والروضة: ان الجنة لابد أن يكون فيها شجر، لان أصلها من أن الشجر يجنها، والروضة قد تكون بغير شجر، يقال: روضة خضرة ورباض مونقات.
وقوله " ادخلوها " اي يقال للمتقين " ادخلوها بسلام آمنين " بسلامة وهي البراءة من كل آفة ومضرة، كما قال " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " (1) اي براءة منكم، ومعنى " آمنين " اي ساكني النفس إلى انتفاء الضرر. والأمانة الثقة بالسلامة من الخيانة.
وقوله " ونزعنا ما في صدورهم من غل " فالغل الحقد الذي ينعقد في القلب، ومنه الغل الذي يجعل في العنق، والغلول الخيانة التي تطوق عارها صاحبها، فبين تعالى ان الأحقاد التي في صدور أهل الدنيا تزول بين أهل الجنة ويصبحون " اخوانا " متحابين " على سرر " وهي جمع سرير، وهو المجلس الرفيع موطأ للسرور، ويقال في جمعه: أسرة أيضا، وهو مأخوذ من السرور، لأنه مجلس سرور " متقابلين " اي كل واحد منهم مقابل لصاحبه ومحاذ لأخيه، فإنه بذلك يعظم سرورهم. والتقابل وضع كل واحد بإزاء الآخر على التشاكل وقال قوم:
ان نزع الغل يكون قبل دخول الجنة. وقال آخرون: يكون ذلك بعد دخولهم فيها.
وقوله " لا يمسهم فيها نصب " اخبار منه تعالى: ان هؤلاء المؤمنين الذين حصلوا في الجنة " اخوانا على سرر متقابلين " لا يمسهم في الجنة نصب وهو التعب والوهن الذي من العمل، للوهن الذي يلحق. ثم اخبر انهم مع ذلك