يذكر في موضعه إن شاء الله قال أبو علي الفارسي من قرأ (أإذا، أإنا) بالاستفهام فيهما، فموضع (إذا) نصب بفعل مضمر يدل عليه قوله " انا لفي خلق جديد " لان هذا الكلام يدل على نبعث ونحشر، فكأنه قال أنبعث إذا كنا ترابا. ومن لم يدخل الاستفهام في الجملة الثانية كان موضع (إذا) نصبا بما دل عليه قوله " انا لفي خلق جديد " فكأنه قال انبعث إذا كنا ترابا، وما بعد (ان) لا يعمل فيما قبله بمنزلة الاستفهام، فكما قدرت هذا الناصب في (إذا) مع الاستفهام، لان الاستفهام لا يعمل ما بعده فيما قبله كذلك نقدره في (إنا) لان ما بعدها أيضا لا يعمل فيما قبلها. وقراءة ابن عباس " إذا كنا ترابا " على الخبر (أإنا) على الاستفهام ينبغي أن يكون على مضمر كما حمل ما تقدم على ذلك، لان بعد الاستفهام منقطع مما قبله فاما أبو عمرو، فإنه يفصل بين الهمزتين بألف، كما يفصل في " أأنذرتهم " وكما يفصل بين النونات في (اخشينان) ويأتي بعد ذلك بالهمزة بين بين، وليست (يا) ياء محضة، كما أن الهمزة في السائل ليست ياء محضة، وإنما هي همزة بين بين، وابن كثير ان اتي بياء ساكنة بعد الهمزة من غير مد فليس ذلك على التخفيف القياسي، لأنه لو كان كذلك، لوجب ان يجعل الهمزة بين بين، كما فعل في سم في المتصل وفي إذ قال إبراهيم - في المنفصل لذلك، ولكنه يبدل من الهمزة ابدالا محضا كما حكى سيبويه انه سمع من العرب من يقول (بئس) وقد جاء في الشعر يومئذ على القلب.
مدح الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم تعجبه من الكفار في عبادتهم ما لا يملك لهم نفعا ولا ضرا. ثم اخبر ان هذا موضع العجب، وذمهم بعجبهم من اعادتهم ثانية مع علمهم بالنشأة الأولى، وفيما بين الله تعالى من خلق السماوات والأرض، وما بينهما من عجائب افعاله التي تدل على أنه قادر على الإعادة، كما دلت على الانشاء، لان هذا مما ينبغي ان يتدبره العاقل، وقد قيل: (لا خير فيمن لا يتعجب من العجب وأرذل منه المتعجب من غير عجب) والعجب والتعجب واحد. وهو تغير النفس بما خفي سببه عن الكافر وخرج عن العادة، فهؤلاء الجهال توهموا انهم إذا صاروا ترابا لا يمكن ان يصيروا حيوانا. والذي أنشأهم أول مرة قادر ان يعيدهم ثانية.
ثم اخبر تعالى عنهم، فقال: هؤلاء هم الذين جحدوا نعم الله، وكفروا بآياته