قرأ أبو بكر " يوحى " بالياء وفتح الحاء. وقرأ حفص بالنون وكسر الحاء.
قال أبو علي الفارسي: وجه القراءة بالنون قوله " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح " (1) ومن قرأ بالياء، فلقوله " وأوحي إلى نوح " (2) وقوله " قل أوحي إلي " (3) فأما في " حم عسق كذلك يوحي إليك " (4)، فلان الفعل مسند إلى اسم الله تعالى، فارتفع الاسم بأنه فاعل يوحي، ولو قرئ يوحى إليك، والى الذين واسند الفعل إلى الجار والمجرور، لكان جائزا، وكان يكون قوله " الله العزيز الحكيم " مبتدءا وخبرا، والأول أحسن، لان قوله " العزيز الحكيم " أن يكون صفة أحسن من أن يكون خبر المبتدأ.
معنى الآية الاخبار من الله أني ما أرسلت قبلك من الأنبياء والمرسلين إلى عبادي إلا رجالا يوحى إليهم بكتبي وأحكامي، " من أهل القرى " أي لم أرسل عليهم ملكا ولا جنيا، بل رجالا أمثالك، لقول جهال قريش ان الله لو شاء ان يرسل الينا أحدا، لأرسل إلينا ملكا، فبين ههنا انه لم يرسل فيما مضى الا رجالا، مثل محمد، من البشر، " أفلم يسيروا في الأرض " معناه أفليس قد ساروا في الأرض وسمعوا اخبار من ارسله الله من الأنبياء المبعوثين إلى خلقه مثل إبراهيم وموسى وعيسى، فيعرفوا بذلك كيف كان عاقبة من كذب هؤلاء الرسل من قبلهم، وما نزل بهم من العذاب لكفرهم ثم أخبر ان دار الآخرة خير للذين اتقوا واجتنبوا معاصيه خير لهم من الدنيا، أفلا يعقلون ان الامر على ما أخبرنا به، وان ذلك خير من دار الدنيا التي فيها تنغيص وتكدير، وفنون الآلام.
وقال قتادة معنى " من أهل القرى " يريد به الأمصار دون البوادي، لأنهم اعلم وأحكم. وقال الحسن ما بعث الله نبيا من أهل البادية قط، ولا من الجن ولا من النساء.
وقوله " ولدار الآخرة " على الإضافة وفي موضع آخر وللدار الآخرة على الصفة. فمن اضافه قال تقديره ولدار الحال الآخرة، لان للناس حالين حال