فأسرع في سجوده وقعوده وسلم، فلم يتكلم حتى أشار بيده بأن تقدمني، فتقدمته فأتيت به أمير المؤمنين (عليه السلام) فقلت: دونك ها هو! فنظر إليه، فإذا هو شاب حسن الوجه، نقي الثياب.
فقال له: ممن الرجل؟
فقال له: من بعض العرب.
فقال له: ما حالك، ومم بكاؤك واستغاثتك؟
فقال: حال من أوخذ بالعقوق فهو في ضيق، ارتهنه المصاب، وغمره الإكتياب، فارتاب (1) فدعاؤه لا يستجاب.
فقال له علي: ولم ذلك؟
فقال: لأني كنت ملتهيا في العرب باللعب والطرب، أديم العصيان في رجب وشعبان، وما أراقب الرحمن، وكان لي والد شفيق رفيق، يحذرني مصارع الحدثان، ويخوفني العقاب بالنيران ويقول: كم ضج منك النهار والظلام، والليالي والأيام، والشهور والأعوام، والملائكة الكرام، وكان إذا ألح علي بالوعظ زجرته وانتهرته، ووثبت عليه وضربته، فعمدت يوما إلى شيء من الورق فكانت في الخباء فذهبت لآخذها وأصرفها فيما كنت عليه، فما نعني عن أخذها، فأوجعته ضربا ولويت يده وأخذتها ومضيت، فأومأ بيده إلى ركبتيه يروم النهوض من مكانه ذلك، فلم يطق يحركها من شدة الوجع والألم، فأنشأ يقول:
جرت رحم بيني وبين منازل (2) * سواء كما يستنزل القطر طالبه