لما كانت ليلة عاشوراء من المحرم خرجت من خيمتي لأتفقد أخي الحسين (عليه السلام) وأنصاره، وقد أفرد له خيمة، فوجدته جالسا وحده يناجي ربه ويتلو القرآن، فقلت في نفسي أفي مثل هذه الليلة يترك أخي وحده، والله! لأمضين إلى إخوتي وبني عمومتي وأعاتبهم بذلك.
فأتيت إلى خيمة العباس (عليه السلام)، فسمعت منها همهمة ودمدمة، فوقفت على ظهرها فنظرت فيها، فوجدت بني عمومتي وإخوتي وأولاد إخوتي مجتمعين كالحلقة وبينهم العباس بن أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو جاث على ركبتيه كالأسد على فريسته، فخطب فيهم خطبة ما سمعتها إلا من الحسين (عليه السلام) مشتملة بالحمد والثناء لله والصلاة والسلام على النبى (صلى الله عليه وآله).
ثم قال في آخر خطبته: يا إخوتي، وبني إخوتي، وبني عمومتي! إذا كان الصباح فما تقولون؟
فقالوا: الأمر إليك يرجع ونحن لا نتعدى لك قولك.
فقال العباس: إن هؤلاء - أعني الأصحاب - قوم غرباء، والحمل الثقيل لا يقوم إلا بأهله، فإذا كان الصباح فأول من يبرز إلى القتال أنتم، نحن نقدمهم للموت لئلا يقول الناس: قدموا أصحابهم، فلما قتلوا عالجوا الموت بأسيافهم ساعة بعد ساعة.
فقامت بنو هاشم وسلوا سيوفهم في وجه أخي العباس وقالوا. نحن على ما أنت عليه.
قالت زينب (عليها السلام): فلما رأيت كثرة اجتماعهم، وشدة عزمهم وإظهار شيمتهم، سكن قلبي وفرحت، ولكن خنقتني العبرة، فأردت أن أرجع إلى أخي الحسين (عليه السلام) وأخبره بذلك، فسمعت من خيمة حبيب بن مظاهر همهمة ودمدمة، فمضيت إليها ووقفت بظهرها، ونظرت فيها فوجدت الأصحاب على نحو بني هاشم مجتمعين