ولئن زعمت: أن عيسى كلم الموتى، فلقد كان لمحمد ما هو أعجب من هذا: إن النبى لما نزل بالطائف وحاصر أهلها، بعثوا إليه بشاة مسلوخة مطلية بسم، فنطق الذراع منها فقالت: يا رسول الله! لا تأكلني فإني مسمومة! فلو كلمته البهيمة وهي حية لكانت من أعظم حجج الله على المنكرين لنبوته، فكيف وقد كلمته من بعد ذبح وسلخ وشي! (1) ولقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يدعو بالشجرة فتجيبه! وتكلمه البهيمة! وتكلمه السباع! وتشهد له بالنبوة! وتحذرهم عصيانه! فهذا أكثر مما أعطي عيسى (عليه السلام).
قال له اليهودي: إن عيسى يزعمون أنه أنبأ قومه بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم؟
قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد كان له أكثر من هذا: إن عيسى أنبأ قومه بما كان من وراء الحائط، ومحمد أنبأ عن مؤتة وهو عنها غائب، ووصف حربهم ومن استشهد منهم، وبينه وبينهم مسيرة شهر، وكان يأتيه الرجل يريد أن يسأله عن شيء فيقول (صلى الله عليه وآله): تقول أو أقول؟
فيقول: بل قل يا رسول الله! فيقول: جئتني في كذا وكذا حتى يفرغ من حاجته! ولقد كان (صلى الله عليه وآله) يخبر أهل مكة بأسرارهم بمكة حتى لا يترك من أسرارهم شيئا!
منها: ما كان بين صفوان بن أمية وبين عمير بن وهب، إذ أتاه عمير فقال: جئت في فكاك ابني. فقال له: كذبت بل قلت لصفوان بن أمية وقد اجتمعتم في الحطيم وذكرتم قتلى بدر وقلتم: والله! للموت أهون علينا من البقاء مع ما صنع محمد بنا، وهل حياة بعد أهل القليب، فقلت أنت: لولا عيالي، ودين علي لأرحتك من محمد.