شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين - ابن ميثم البحراني - الصفحة ٢٤٣
حمحمة خيل، يثيرون الأرض بأقدامهم كأنها أقدام النعام، ويل لسككهم العامرة والدور المزخرفة التي لها أجنحة كأجنحة النسور وخراطيم كخراطيم الفيلة، من أولئك الذين لا يندب قتيلهم، ولا يفقد غائبهم (1).
(1) - قال ابن ميثم (ره) في شرحه على نهج البلاغة في شرح هذا الكلام ضمن ما قال (ص 290 من الطبعة الأولى):
" والضمير في قوله (ع): كأني به لصاحب الزنج واسمع علي بن محمد علوي النسب، والجيش المشار إليه هم الزنج، وواقعتهم بالبصرة مشهورة، واخبارهم وبيان أحوالهم وتفصيل واقعتهم يشتمل عليها كتاب منفرد في نحو من عشرين كراسة فليطلب علمها من هناك.
واما وصف ذلك الجيش بالأوصاف المذكورة فلان الزنج لم يكونوا أهل - خيل ولا جند من قبل حتى يكون بالأوصاف المشار إليها، واثارتهم التراب بأقدامهم كناية عن كونهم حفاة في الأغلب مشققي الاقدام فهي من اعتياد الحفاء ومباشرة الأرض كالخشب ونحوه فكانت مظنة إثارة التراب عوضا عن حوافر الخيل، ووجه شبهها بأقدام النعام ان أقدامهم في الأغلب قصار عراض منتشرة الصدور ومفرقات الأصابع فهي من عرضها لا يتبين لها طول فأشبهت اقدام النعام في بعض تلك الأوصاف.
ثم أخبر بالويل لمحال البصرة ودورها المزوقة من أولئك واستعار لدورها لفظ الأجنحة وأراد بها القطانيات التي تعمل من الأخشاب والبواري بارزة عن السقوف كالوقاية للمشارف والحيطان عن آثار الأمطار وهي أشبه الأشياء في هيئتها وصورة وضعها بأجنحة كبار الطير كالنسور، وكذلك استعار لفظ خراطيم الفيلة للميازيب التي تعمل من الخوص على شكل خرطوم الفيل وتطلى بالقار يكون نحوا من خمسة أذرع وازيد تدلى من السطوح حفظا للحيطان اذى السيل أيضا وهي أشبه الأشياء في صورتها بخراطيم الفيلة.
واما وصفه (ع) لهم بأنه لا يندب قتيلهم ولا يفقد غائبهم، قال بعض الشارحين:
ذلك وصف لهم بشدة البأس والحرص على الحربوالقتال وانهم لا يبالون بالموت ولا يأسفون على من فقد منهم، وأقول: والأشبه ان ذلك لكونهم لا أصول لهم ولا أهل لأكثرهم من أم أو أخت أو غير ذلك ممن عادته ان ينوح ويندب قتيله ويفتقد غائبه لكون أكثرهم غرباء في البصرة ممن قتل منهم لا يكون له منهم من يندبه، ومن غاب لا يكون له من يفقده ".
أقول: لهذا الكلام الشريف ذيل قد نقله السيد (ره) في نهج البلاغة وهو:
" انا كأب الدنيا لوجهها، وقادرها بقدرها، وناظرها بعينها ".
ومن أراد شرحه فليطلبه من الشروح.
ثم اعلم أن ابن أبي الحديد شرح الكلام بما لا مزيد عليه وأظن أن ابن ميثم (ره) أشار بكلامه " وبيان اخبارهم يشتمل عليها كتاب منفرد في نحو من عشرين كراسة " إلى ما ذكر ابن أبي الحديد في شرحه فمن أراد التفصيل فليراجع ذلك الشرح (ج 2 ص 310 - 361 من طبعة مصر).