والغرض منه انه لما كان الحيوان الأرضي مركبا من العناصر الأربعة وصلاحه بصلاحها وفساده بتغالبها وجب أن يكون له تلك القوة ليدرك بواسطتها المنافي فيحترز (1) عنه والملائم فيطلبه ويقرب منه، والمحسوسات به الكيفيات الأربع (2) وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، وكذلك الصلابة واللين والخشونة والملامسة والثقل والخفة ومن شرط هذا الادراك أن تكون كيفية الملموس مخالفه لكيفيته فيكون اما أبرد منه مثلا أو أحر فإنها لو كانت مشابهة لكيفيته لم ينفعل الجلد منه البتة كصاحب الدق فإنه لا يدرك حرارة حماه لسخونة مزاج أعضائه.
الثاني - حسن الذوق، وهو قوة رتبت في العصبة المفروشة على سطح اللسان التي هي من جملة الزوج الثالث من الأعصاب التي تنبت من الدماغ وتدرك الطعوم من الاجرام المماسة بواسطة مخالطة تلك المطعومات للرطوبة العذبة (3) اللعابية التي تحصل من الملعبة ووجب كون هذه الرطوبة خالية عن الطعم في ذاتها لتكون صالحة لهذه التأدية والتوسط، ولو كان لها طعم في ذاتها أو مركبا من طعمها وطعم غيرها لاستحال ادراك طعم الشئ وحده ولهذا لما عرض لها طعم المرارة في فم المرضى لم تكن مطعوماتهم صادقة الطعوم بالنسبة إليهم ولهذا خلقت خالية عن الطعم وكانت لزجة لئلا يسرع إليها الجفاف بسبب حرارة الحيوان.
الثالث - حس الشم وهو قوة رتبت في الزائدتين في (4) مقدم الدماغ الشبيهتين (5) بحلمتي الثدي هما آلة الشم (6) مدركة للروائح بتوسط الهواء المنفعل (7) عن ذي الرائحة اما بأن ينفصل من ذي الرائحة بخار مكيف بتلك الرائحة ويختلط بالهواء اما بان يستعد الهواء بمجاورة ذلك الشئ لقبول رائحة مثل رائحته فتفاض تلك الرائحة من واهبها.
فاما ما يقال بان الرائحة تنفصل من ذي الرائحة فتدرك، غلط، إذ العرض